طلب مني أحد الزملاء في تويتر أن أعاونه في رسم طريقة لتشكيل مجموعة قراءة فعّالة، ولأنني تقريبا منذ أكثر من ست سنوات كنت دوما مشاركا في مجموعات قراءة متنوعة (سواء في السكن الجامعي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أو في الرياض، أو في بريدة، أو هنا في واشنطن)، فحاولت تشكيل آلية بسيطة قدر الإمكان تكون مفيدة وملائمة للوسط السعودي وبنفس الوقت مفيدة وفعالة في بناء المشاركين فيها فكريا. وبعد أن فرغت من تشكيل هذه الآلية، وجدت أن نشري لها هنا ربما سيكون مفيدا لمن كان لديه هدف مشابه.
لماذا تؤسس مجموعة قراءة؟
١- لأن قراءة الكتاب مع مجموعة متنوعة يجعلك وكأنك تقرأ الكتاب الواحد ست أو سبع مرات بدل أن تقرأه مرة واحدة.
٢- لأن النقاش حول الكتاب الواحد بين أشخاص مختلفين، سيسلط الضوء على جوانب لم تنتبه لها، سيعمق من فهمك للجوانب التي ركزت عليها، وبالمجمل سيجعل عمق فهمك للكتاب أكثر بكثير من لو قمت بقراءته لوحدك.
٣- أنك ستلتزم بقراءة عدد معين من الصفحات يوميا، لأنك ملتزم مع أشخاص آخرين. في حين أن القراءة الفردية ستسمح لك بكثير من التسويف والتأجيل لأنه التزام بينك وبين نفسك.
٤- أنك في المجموعة القرائية لا تقوم فقط بالقراءة، بل تقوم بتعويد نفسك على مهارات أخرى: الحوار، الكتابة، التلخيص، المشاركة في عمل جماعي..إلخ.
٥- أنك تمزج نشاطك المعرفي (القراءة) بنشاط اجتماعي (التواصل مع الآخرين)، والمعرفة ضمن التواصل هي- باعتقادي- أكثر وسائل المعرفة التي تحمي الشخص من الغرور (لأنه يتشارك مع غيره) والأحادية (لأنه يتحاور مع غيره) والاستمرارية (لأنه يتعاون مع غيره).
ما هي أهم الأسس التي يجب أن تقوم عليه المجموعة؟
١- الديمقراطية: فاختيار الكتاب، ومنسق المجموعة، وتوقيت الجلسة ومكانها، وجميع الجوانب الأخرى، إنما يتم بالتشاور والتباحث والتصويت بين أعضاء المجموعة.
٢- حرية التعبير عن الرأي: فجلسة النقاش حول الكتاب يجب إن تنبثق من كفل حرية التعبير لكافة المشاركين بالآلية التي تم الاتفاق عليها ديمقراطيا.
٣- الاشتراكية: وذلك بأن تكون جميع النفقات المرتبطة بالمجموعة موزعة بين الاعضاء بكيفية عادلة (نفقات الكتب، العشاء، الضيافة…وغيرها)
٤- الإلتزام: مجموعة القراءة ليست ملاهي، وليست “استراحة”، فبحسب تجاربي السابقة أي تهاون في موضوع الالتزام سيؤدي بالمجموعة للفشل. (عدم الالتزام يشمل: عدم قراءة الصفحات المطلوبة، عدم المشاركة في النقاش، التغيب عن حضور الجلسة، التأخر في الحضور، عدم كتابة الملخصات المطلوبة…إلخ، فكل هذه المظاهر يجب في لحظة التأسيس توضيح الاجراءات التي ستتخذ في حال القيام بهذه الأعمال.
ماذا تحتاج مجموعة القراءة؟
١- مكان دائم: يفضل أن يكون استراحة أو مجلس بيت أو “ملحق”. لا يجب أن تكون “دورية” كل مرّة في مكان مختلف، فهذا سيزيد من صعوبتها، ولا يجب أن تكون في مكان “غير مضمون” أو مزعج، كالمقاهي أو محلات الشيشة أو المساجد وغيرها من الأماكن العامة. ويجب أن يكون في المكان حمام خاص، لأن بعض البيوت يكون استخدام الحمام فيها يشكل حرجا، فيفقد الأعضاء تركيزهم لأنهم لا يستطيعون الذهاب للحمام بشكل مريح.
٢- زمان محدد: بحيث لا يحتاج منسق المجموعة للتذكير كل مرة بموعد الجلسة. يفضل أن تكون مدة الجلسة ثلاث ساعات ونصف. وأن تكون بعد صلاة العشاء، وأن تكون في أحد أيام الأسبوع: الأحد أو الإثنين أو الثلاثاء. (لا تكون في نهاية الإسبوع، لأن أغلب الناس يكونون مرتبطين فيه، ولا تكون يوم السبت لأنه يوم مكروه). وهل تكون أسبوعية أو كل أسبوعين أو شهرية.
٣- منسق المجموعة: ويفضل أنه هو صاحب البيت الذي تقام فيه الجلسة ويتم اختياره بطريقة ديمقراطية وتحدد له مدة محددة إما أن يجدد له أو يبدّل وتكون مهامه كالتالي:
أ- إدارة المجموعة البريدية الخاصة بمجموعة القراءة، وفي المجموعة البريدية يقوم بإرسال عناوين الكتب التي ستقرأ وروابطها إن كانت إلكترونية والتذكير بمواعيد الجلسات وما يستجد فيها، كما أنه يتم الاستفادة من المجموعة لتداول المقالات والاخبار بين أفراد المجموعة.
ب- إدارة الجلسة: من ناحية ضبط وقت حديث كل مشارك وإيقاف النقاشات الجانبية والعودة للنقاش الأصلي وكل ما من شأنه إنجاح واثراء الجلسة وإعطاء كافة المشاركين فرصة عادلة للحديث.
٤- أعضاء الجلسة: (يفضل أن يتراوح عدد الاعضاء بحيث يتسنى للجميع الاستفادة منها من ٣-٨ أشخاص).
٥- الأكل والشرب: يجب توفير (قهوة، تمر (يفضل أن يكون سكري دعما للمنتجات القصيمية)، شاي، معجنات وموالح) خلال الساعات الثلاثة الأولى. ويجب أن تكون جاهزة، وألا تأتي على دفعات بحيث ينقطع حبل الجلسة كل مرة تطرق فيه الخادمة الباب. وبعد انتهاء الساعة الثالثة، يجب أن يكون العشاء جاهزا إذ يخصص له نصف الساعة الأخير.
كيف تدار جلسة القراءة؟
١- قبل الجلسة:
أ- يجب تحديد الكتاب بطريقة ديمقراطية.
ب- تحديد عدد الصفحات المطلوب قراءتها (٣٠ ص إذا كانت الجلسة أسبوعية، ٨٠ إن كانت كل اسبوعين، ٢٠٠ إن كانت شهرية).
ج- تكليف شخص (إن كانت أسبوعية) أو شخصين (إن كانت كل اسبوعين) أو ثلاثة أشخاص (إن كانت شهرية) بتلخيص هذه الفصول وتقديمها.
٢- أثناء الجلسة:
أ- يعلن منسق الجلسة بدايتها، ويقوم بتوزيع ملخصات المقدم ( إن كان هناك أكثر من مقدم، تقسّم الجلسة إلى جولات بحسب عدد المقدمين. فإذا كان هناك مقدم واحد تعتبر الجلسة كلها جولة واحدة، إذا كان هناك مقدمين، تعتبر جولتين وكل جولة ساعة ونصف، وإذا كان هناك ثلاثة مقدمين، تعتبر ثلاث جولات وكل جولة ساعة).
ب- يأخذ المقدم ربع وقت الجولة بحيث يقوم فيها بتلخيص ما فهمه هو من الصفحات التي قام بتلخيصها.
ج- في الربع الثاني يقوم منسق الجلسة باعطاء باقي الاعضاء فرصة لنقد أو تعديل أو اضافة أو سؤال المقدم حول تلخيصه.
د- في الربع الثالث يقوم المقدم بالاجابة والرد على الأسئلة والنقود الموجهة ضده.
ه- في الربع الأخير يكون النقاش مفتوحا بين الجميع حول ما تم طرحه.
و- إذا كان في الجلسة أكثر من جولة، فبمجرد انتهاء وقت الربع الأخير من الجولة الأولى، يقوم المنسق باعلان بدء الجولة الثانية بتوزيع ملخصات المقدم الثاني ويكرر نفس ما قام به في السابق.
لماذا تدار الجلسة بهذه الطريقة؟
١- كتابة الملخصات تساعد كل أفراد المجموعة على التمرن على الكتابة والتعبير عما فهموه من الكتاب وترجمة افكارهم على شكل نقاط محددة.
٢- قيام شخص واحد بتقديم فهمه عن ملخصه، يجعله يتحمل مسؤولية فهمه، واستعداده للدفاع عنه أمام النقد الذي سيتعرض له فيما بعد.
٣- قيام باقي المجموعة بالتعليق والنقد والاضافة، ينمي ملكات ومهارات النقد والمخالفة والحوار.
٤- النقاش المفتوح في الاخير يفتح المجال للجميع بأن يقولوا ما لم يتمكنوا من قوله بشكل أكثر حرية.
أخيرا، يظل هذا نموذج مقترح، وهو حصيلة عدد من التجارب الشخصية، وبالتالي يمكن تعديله وإعادة صياغته بحيث يكون ملائما لخصوصيات كل حالة…
شكرا لك على نشر خلاصة تجربتك العظيمة ..
رائع
يعطيك الف عافية.
قزاك الله خيراً
بارك الله فيك على تفصيل الخطوات. كنت قد فكرت في الأمر منذ زمن، لكني لم أجد الكيفية. شكرًا لك على مشاركتنا الأمر.
تدوينة مهمة ..
ولماذا لا تكتب لنا خطوات عملية لتأسيس مجموعة بحث مجموعة تريد القيام ببحوث نظرية فكرية اجتماعية ونحو ذلك .. : وأيضا أنا أحثك تكون مجموعة تقوم بالبحث كوِن مجموعة نواة لمشاريع بحثية قد تتحول لمجموعة ربحية
هل “القراءة” نشاط معرفي ام نشاط ثقافي؟ شكرا
جميل جدا ما قرأت هنا، غير أني أرى أن ثلاث ساعات ونصف أسبوعيا مدة تتجاوز المطلوب في تقديري؛ بينما هي مناسبة حين يكون اللقاء شهريا.
شيء آخر أود إضافته وهو أنه يمكن عمل مجموعات قراءة أسرية على نطاق العائلة، ومجموعات قراءة شبكية عبر بعض البرامج كبرنامج سكايب حين تحول الحدود والمسافات بين الأشخاص.
شكرا لقلمك الراقي والمفيد.
أود ذلك لكن لايوجد كثير ممن حولي يقرؤون
شُكراً على التدوينة..
أردت إضافة فكرة .. صديقتي أنشأت نادي قراءة عن طريق برنامج ” الواتس أب ” و هي فكرة ناجحة
بالتوفيق .
في 2009 او 2010 سجلت معك في حلقة قراءة كتاب الانثى لكاتبة المانية استفدت جدا من الكتاب اتمنى تكرر تلك التجربة وما تنقطع رغم انها كانت لم تلزم المجموعة وربما انت بخطة سير الحلقة وللاسف ما عطيتنا تعليقك على ملخصاتنا
اتمنى ترجع تسوي هذاك المشروع وتكرره باستمرار وشكرا انت شخص مؤثر بالافكار ليتك ما تروح في برج عاجي مع ربعك ورفاق الفكر
جميييل ، شكرا لك
شكرًا على جهودك💕