لماذا هذا النقد؟
لثلاثة أسباب :
الاول ، أن بحث السكران تم التعامل معه بطريقتين : توظيف وقح، وفهم متسرع. فهناك من فرح بهذا البحث وراح يلوح به في وجوه من “عيّن” عمومات الخطاب عليهم ، في الوقت الذي ضحى كاتب البحث بالتوثيق المنهجي في سبيل عدم تعيينهم. أما الفهم المتسرع فأقصد به حصرا الردود التي وصفت البحث بأن مؤداه علماني صرف ، أو عيبه بسبب لغته “الحيّة” ، او الانتقاص منه بسبب افتقاره للمثال والتعيين. فطارت الفكرة ، بسبب الالتفات لهذه القشور التي لا يضر البحث تجاوزها. ونستثني من هذا الكلام كله مبحث القديمي وبعض التعليقات التي طُرحت في مجلة العصر، على نفس البحث.
الثاني، أن البحث يمسني بمعنى من المعاني. فعند قراءتي له أول مرة ذُهلت تماما وأخذ مني كل مأخذ. ولما مرت الأيام ، وعدت إليه مرة أخرى بعد ان انتفت الدهشة الأولى، وجدته يقوم على مسلمات وفروض لم ينطق بها الوحي ولا التاريخ، وأن فيه جوانب كثيرة من التعميمات والمقابلات الثنائية التي لا تفضي لشيء – كما سنبين لاحقا.
الثالث، وهو امتداد للثاني ، أن “السكران” يصوغ إشكاليات مُغلقه لا تفضي إلا إلى خيار واحد نهائي لا تفضي إلا إلى خيار واحد نهائي، تتشابه كثيرا – وهنا المصادفة الطريفة – مع إشكاليات محمد عابد الجابري المنسوب إليه الدور الأسطوري في قسمة الثقافة العربية إلى قسمين كما سنوضح لاحقا . وهذا “الاستعباد المعرفي” – وهنا نكمل السيناريو باستدعاء طرابيشي – لابدّ من أن نتحرر منه ، ولا يعرف طعم هذه الحريّة إلا من ذاق العبودية.