نشهد في أيامنا هذه احتدام حاد في الصراع السياسي، أدى إلى تعطيل الحركة الإصلاحية وكبح جماحها وعرقلتها من خلال معارضة الحكومة للإصلاح من جهة والمطالبات الشعبية المتزايدة، وقد بدأ الصراع مبكراً في التصويت حول رئاسة المجلس، فاتخذت الحكومة مرزوق الغانم مرشحاً لها معارضةً بذلك المطالب الشعبية الواسعة والتي مثلها أكثر من ٤٠ نائباً في اجتماع خاص عقد قبل الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة، وبعد أن انحازت السلطة لمشروع العهد القديم متراجعةً بذلك عن الوعود التي عبر عنها رئيس الحكومة في خطابه الأول أمام مجلس الأمة، لم تقف الحكومة عند ذلك الحد بل تقدمت بخطوات اعتبرتها الأغلبية البرلمانية تجاوزاً صارخاً على مطالب الشعب وآماله، فقد تدخلت الحكومة بثقلها الكبير في اللجان البرلمانية والسيطرة عليها ثم تعليق الجلسات لمدة شهر كامل، تطورت الأحداث بشكلٍ متسارع وحاد مما أدى الى إنغلاق في الأفق السياسي بعد أن شطب الداهوم وأقسمت الحكومة بعد تشكيلها، فيما تقف الأغلبية البرلمانية عاجزة عن إيجاد حلول وآليات جديدة للصراع داخل قبة عبدالله السالم وذلك لضعف الإمكانات البرلمانية في كبح جماح السلطة ومساعيها لتقوض الحركة الإصلاحية، فقد عجزت المعارضة عن تعيين مرشحها للرئاسة وعن استحواذها على اللجان ثم فشلها بتشكيل تحقيق فيما حدث في الجلسة الإفتتاحية ثم شطب الداهوم واخيراً فشلها في تعطيل القسم، إن أكثر من ثلاثين نائباً من أصل خمسين لم يكفي المعارضة لتتجاوز القدرات المهولة التي منحها الدستور واللوائح للحكومة لبسط يدها على العملية البرلمانية. Continue reading
الديمقراطية وثقافة الجماهير
يستخدم الاستبداد العربي خطابين لنقد الحركات الشعبية الساعية للتحول الديمقراطي في الوطن العربي منذ أوائل القرن العشرين وإلى يومنا هذا، أولها هو جهل الشعوب العربية ووعيها المتدني بالديمقراطية ومن ثم -وهو ثانيها- أن الديمقراطية لن تأتي بالاستقرار والتنمية.
إذ تحاول الأنظمة التسلطية بأدواتها الإعلامية ان تنتقد الوعي السياسي للشعب العربي بوصفه شعباً جاهلاً في السياسة من جهة وغير جاهز للديمقراطية من جهة أخرى، وقبل تفنيد هذا الإدعاء الزائف والساذج، نطرح نحن كأفراد في هذه الشعوب سؤالاً حول مسألة الجهل في شؤون السياسة التي تدعيها الأنظمة في دعاياتها التاريخية
هل حظيت الديمقراطيات في العالم بشعوبٍ ذات ثقافةٌ ديمقراطية في ظل الاستبداد أم بعد ممارسة الديمقراطية؟
ونتساءل أيضا عما فعلته هذه الأنظمة طوال نصف قرن وأكثر لمجتمعاتها؟ هل ساهمت في زيادة الوعي؟ فإذا كانت الإجابة بنعم، فهذا يبطل ادعاءها وينقضه، أما إذا كانت الإجابة لا، أيّ أنها لم تساهم في رفع مستوى الوعي السياسي للجماهير، فهي إذن ليست أهلاً للحكم وكفؤاً له ولإدارة شؤوننا، بل إن هذا تأكيد على صدق مطالبات الجماهير العربية، وعلى فشلها -أي الأنظمة- في توعية وتأهيل المجتمع وبنائه، وهو الدور الرئيسي للدولة الوطنية ومن يتربع في سدة حكمها.
وهل يعني خطاب الأنظمة العربية هذا بأنها تسعى للتخلي عن تسلّطها والبدء في مشروع التحول الديمقراطي حتى تهتم بجاهزية المجتمع؟ لا أعتقد، فهي تدعّي بأنها الاكفأ في الحكم من الشعب كافة، ولكن ما برهانهم على دعواهم وما مبدأ الكفاءة التي تستند إليه؟
إن الدول العربية تعيش عالةً على مجتمعاتها ومثبطة لعزائم شبابها وشاباتها وحاصدةً لروح نهضتها وتقدمه، منذ عهد الاستقلال، فالانقلابات العسكرية والعائلية والإحتلالات والغزوات على الدول المجاورة والحروب العبثية كانت عناوين المشهد السياسي العربي منذ عقود، سالبةً بذلك كل حجة عقلانية ترفع من قدر الحكام وتاريخ حكمهم، وبعد أن أتى الربيع العربي وانتفضت الجماهير وطالبت بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، رفض الاستبداد ان ينصاع لهذه المطالبات مؤكداً على فشل الدولة العربية الممتد منذ عهد الاستقلال في تلبية طموحات الشعوب وعلى انشغاله بتبديد مقدرات الوطن وامتهان كرامات المواطنين.
الواقع يرفض من حيث هو أن يثبت دعوى الإستبداد هذه فهو شاهدٌ على أنظمة يطغى عليها العنف والحرمان، بل إن سجونها ومنافيها أكثر مؤسساتها حداثةً وتطوراً وفعالية، وكذلك أنظمتها التكنولوجية فيما يخص الرقابة والتنصت. ليس من بين تلك الدول من تفتخر بجامعاتها أو برلماناتها أو دساتيرها الحديثة أو حتى رضا مواطنيها عنها.
إذن تؤكد الأدلة والشواهد فشل هذه الأنظمة التسلطية في تحقيق الأستقرار والأمن وحفظ الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية والتنمية الحضارية. فالإستقرار التي تؤكد عليه هو صمت الشعوب، والأمن هو سجن المعارضين ونفيهم، والكرامة هي لمن في سدة الحكم، والتنمية هي لجماعات طفيلية وعلاقات فساد تاريخية.
ينفي الديمقراطيون بأن الديمقراطية هي الحل النهائي لكل المشكلات التاريخية، فهي لا تحقق النعيم على الأرض ولكنها بالمقابل لا تجعل الأرض جحيماً كما يفعل الاستبداد، فالديمقراطية تستند على أساسين جوهريين وهما الحرية والتجربة، ولا عجب أن يكون أعتى منظريها، جون لوك، الفيلسوف الإنجليزي الشهير ليبرالياً يؤمن بحرية الاعتقاد والتعبير، وأن يكون تجريبياً كذلك مؤمناً بأن الوسيلة الوحيدة لمعرفة صحة نظريةٍ ما، ممكنة فقط من خلال التجربة.
فالديمقراطية تحمل في جوهرها نظرية علمية وهي القابلية للدحض، أي أنه بالتجربة فقط نستطيع معرفة صحة الشيء أو بطلانه، وينسحب هذا المبدأ على المجال السياسي فوفقاً للتجربة وتغييرها أو تكرارها، يمكن معرفة أيّ البرامج السياسية أصلح وأنسب وتشترط مبدأ الحرية كي تمنح الفرصة لمختلف الأفكار أن تناقش وتُختبر، على العكس من الاستبداد، الذي يقدم مشروعاً واحداً ويسجن ويُقتل ويُقصى كل من يشكك فيه، فكيف للناس معرفة صحة المشروع إن كان هو المشروع الأوحد وكيف لهم معرفة المشاريع الأخرى إن كان معتنقوها في غياهب السجون المظلمة؟
إن الديمقراطيات الراسخة في العالم الغربي لم توجد كما هي بل مرّت بتقلبات وإشكالات كبرى، ففي فرنسا قطع رأس الملك لويس السادس عشر إبان الثورة ثم شهدت منذ ذلك الحين قيام ٤ جمهوريات وسقوطها، وتعيش الآن جمهوريتها الخامسة، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد خاض شعبها حرباً أهلية ضارية ما بين ١٨٦١-١٨٦٥، وليس الاقتحام الأخيرة للكونغرس سوى أحد أشكال هذه الاضطرابات المستمرة، فيما النموذج البريطاني فقد مرّ بما لا يقل عن كلاهما فقد كان الصراع الديني ما بين الملكية والكنيسة والطوائف الأخرى والإقطاع حاداً وأدى في مراحل الى أسر الملك وقطع رأسه على يد كرومل إبان الثورة البيوريتانية ١٦٤٢ وبعد تطورات كبيرة انتهت بالثورة المجيدة التي نصبت غيوم دورانج وزوجته ماري ملكين على انجلترا ١٦٨٩، وآخرها محاولة الملكة تعليق البرلمان عام ٢٠١٩ بعد طلب رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسن، والذي أبطلته المحكمة العليا.
إن قراءة التاريخ تؤكد لنا ان العملية الديمقراطية ليست ثابتة ومنتهية بل هي صيرورة مستمرة لترسيخ المؤسسات المدنية وإشراك الجماهير، وليس أيّ من هذه الأنظمة العربية السلطوية من ساهم في ترسيخ المؤسسات أو أشرك الجماهير في بناء الدولة، ولنا في تجربة البعث في سوريا الأسد وصدام حسين في العراق والقذافي في ليبيا وغيرهم عبراً لنعتبر.
عن الكتابة
قبل عدة أيام وصلني بريد إلكتروني يبشرني بموافقة مطبعة إحدى الجامعات الأمريكية على مقترح كتاب تقدمنا به أنا ومجموعة من الأكاديميين والذي سيشارك فيه كل واحد منّا بفصل. تعجّبت من نفسي وأنا أقرأ البريد، فلم تكن السعادة ولذة الإنجاز هو أول ما شعرت به بقدر ما كان شعور بالضيق بأن إلتزاما جديدا سيضاف الآن لقائمة طويلة تنتظرني من الإلتزامات. عندما قمت بكتابة أول مقالة لي قبل عشرين عاما، لم أكن أعلم يوما بأن الكتابة ستتحول من مجرد كونها شغفا وهواية إلى مهنة تحمل ما تحمله المهنة من معاني ومشاعر الإغتراب.
عندما كنت أسئل “ماذا تريد أن تصبح إذا كبرت؟” أجيب: “طيار”. لم تكن الكتابة حلما أو غاية، بل لم تكن تقدم على أنها مهنة أصلا. لو أردت تحديد نقطة بداية اعتباطية لعلاقتي مع الكتابة، فإن أول ما يحضر في ذهني هو بدايات القراءة المتبعثرة. فأنا أتذكر جيدا أول كتاب تعثرت به. كان ذلك ذات صيف قديم، بينما كنت في المرحلة المتوسطة أقضي جزءاً من الإجازة في الرياض عند خالتي في حيّ الربوة، أحد تجمّعات القصمان في الرياض. فالرياض، على الأقل في تلك الفترة، ليست من ذلك النوع من المدن الذي ينصهر فيه الناس. أحد الأصدقاء يصفها بأنها مدينة بلا معدة، تأكل الناس ولا تهضمهم. فهي أقرب ما تكون إلى مجموعة من التجمعات المناطقية والقبلية المتراصة جنبا إلى جنب: حيّ للقصمان هناك بجانبه حيّ لأهل الزبير، وهناك حيّ لأهل الجنوب، وهكذا، لدرجة أنك تستطيع التنبؤ بأحياء الأشخاص بمجرد أن تعرف من أي منطقة أو خلفية اجتماعية يتحدرون منها. الفقر وحده، ربما، هو الذي يتجاوز هذه الحدود المناطقية والقبلية، ذلك أن الفقراء من كل الأماكن يعيشون في نفس الأحياء المهمشة والفقيرة والمهملة. Continue reading
هل أتخصص علوم سياسية؟ ما هو مستقبلها في السعودية؟
هذه التدوينة موجهة للسعوديين الذين يرغبون في دراسة العلوم السياسية سواء كمرحلة بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراة. وهي إجابة مفصلة لكثير من الأشخاص الذين راسلوني سائلين عن المستقبل الوظيفي والفائدة العملية والعلمية لهذا التخصص. سأقسم الإجابة لقسمين، قسم موجه لمن يريدون دراسة العلوم السياسية كدرجة بكالوريوس، وقسم موجه لمن يريدون دراستها للماجستير أو الدكتوراة.
أ- مسارات التوظيف لخريج البكالوريوس في العلوم السياسية
هناك خمسة مسارات وظيفية لدارس العلوم السياسية في السعودية. وقبل الحديث عنها، يجب توضيح أنه قد يبدو للقارئ أن هناك العديد من الفرص لحامل هذه الشهادة، لكن هذا سببه محاولتي ذكر خيارات متنوعة وليس لأن العدد كبير. فمقارنة بتخصصات مثل الهندسة والطب والإدارة والمالية والمحاسبة والحاسب والقانون، فإن الطلب على هذا التخصص قليل. الآن، إلى المسارات: Continue reading
العلوم السياسية: ما هي؟ وكيف أقرأ فيها؟
في كل فترة، يأتيني طلب على تويتر أو على البريد الإلكتروني حول كتب مفيدة عن العلوم السياسية. وقررت حينها كتابة تدوينة أضع فيها جوابا مفصلا حول الموضوع.
١- العلوم السياسية… علوم وليست مهارة
كلما أركب مع سائق أجرة أو أوبر ويسألني ماذا تفعل؟ أجيبه: “أدرس علوم سياسية”، فيرد علي: “أووه، ستكون رئيسا للسعودية؟”. هذه قصة، قصة أخرى تتعلق بأسلوبي الحاد والمباشر بعض الشيء، والذي يوقعني عادة في مشاكل وسوء فهم كان بإمكاني عدم الوقوع فيها لو كنت أقل نزقا. في مثل هذه الموضوع، تعلق علي أختي، أو أمي: “هذا وأنت دارس سياسة ولا تعرف تحل الموضوع”.
في كلا هذه الحالات نجد أن هناك فهم شائع لدارس العلوم السياسية، بأنه يتعلّم مجموعة مهارات كي يصبح سياسيا، أو مرشحا، أو دبلوماسيا بارعا. هذه الفكرة الشائعة خاطئة. العلوم السياسية هي- كما اسمها يقول- “علوم” وليست مهارات. دارس العلوم السياسية مثله مثل أي متخصص أكاديمي- إلا من رحم ربي- انطوائي وفاشل اجتماعيا وليس لديه المهارات الكافية في التعاطي مع الحيل والمكايد والخداع والنفاق الذي يحدث في عالم السياسة والتي تحتاج لمهارات كثيرة وتعوّد كأي صنعة أو مهنة. Continue reading
لؤي الشريف والصعود إلى أسفل
في هذا المقطع ذكر لؤي الشريف رأيه العجيب أن القرآن أعطى الروس والبولنديين الصهاينة أرض فلسطين، فقمت بالرد عليه بهذه التدوينة. بعد ذلك، كتب هو هذا المقال ليرد على منتقديه ومعترضيه. قرأت مقاله، ووجدته ضعيفا جدا، مهلهلا، متناقضا، ويفتقر لأدنى أساسيات الكتابة المتسقة والتفكير المنهجي، فاستغربت أن يصدر هذا من شخص يدعي أنه باحث ومختص.
في تدوينتي، قلت إن كان لؤي الشريف جادا في اعتقاده بأن القرآن منح أرض فلسطين للبولنديين والروس الصهاينة المحتلين لأرض فلسطين، فعليه أن يثبت أمرا ويقبل أمرا:
١- عليه أن يثبت أن هؤلاء البولنديين والروس والأوروبيين الصهاينة هم وحدهم الأحفاد البيولوجيين العرقيين لنبي الله يعقوب.
٢- وعليه أن يرفض المبادرة العربية التي تسلب هؤلاء البولنديين والروس الصهاينة ٩٠٪ من أرض الميعاد بما في ذلك شمال السعودية.
فكيف ردّ لؤي الشريف على هذين الأمرين؟ Continue reading
هل أورث الله فلسطين للصهاينة؟ ردّ على لؤي الشريف
في هذا المقطع، يقول لؤي الشريف: “في نص صريح من إلهي وإله محمد وإلهكم…. إن هذي الأرض لبني إسرائيل… واضح جدا جدا لحد يلف ويدور…” ثم يتابع بجملة عجيبة: “كل مسلم لابد يكون صهيوني لأن صهيون هذا جبل”. في هذه التدوينة، سأقوم بتوضيح تهافت هذا الإدعاء خطوة خطوة حتى ننتهي في الخطوّة الأخيرة لتوضيح أن لؤي الشريف إذا كان فعلا مقتنع بهذا الكلام المتهافت، فعليه المطالبة بتسليم شمال المملكة العربية السعودية ونصف العراق ونصف سوريا والأردن ولبنان وسيناء للصهاينة. Continue reading
هل كان آدم سميث ضد تدخل الدولة في السوق؟
-١-
قبل أيام، قررنا أنا ومجموعة من الأصدقاء قراءة مشروع عبدالوهاب المسيري. وأثناء القراءة، ذكر المسيري في الجزء الأول من موسوعة اليهود واليهودية والصهاينة، وأثناء حديثه عن الإنسان الطبيعي، والذي يعرفه بأنه ذاك “الذي يدور في إطار المرجعية الكامنة في الطبيعة” والمستسلم لنزعة تدفعه للتجرد من كل الحدود التي تفصله عن ما حوله من مادة وطبيعة، ذكر أن هذا الإنسان الطبيعي يأتي بعدة تنويعات، أحدها هو “الإنسان الإقتصادي”. وبسطر واحد، ذكر أن الإنسان الإقتصادي هو “انسان آدم سميث الذي تحركه الدوافع الإقتصادية والرغبة في تحقيق الربح والثروة”. أثناء النقاش حول هذا النص، اعترضت أنا على هذا الفهم لفكر آدم سميث، إلا أن بعض الزملاء اعتبر أن هذا الفهم هو الفهم السائد والمعروف، فقررت كتابة هذه التدوينة لتقديم فهما أكثر دقّة وأكثر عدالة لفكر آدم سميث الذي باعتقادي أنه تم اختطافه وتشويهه من قبل دعاة النيولبرالية.
الصورة الكاريكاتورية التي يُقدّم لنا بها آدم سميث تقوم على ركيزتين: ١- أنه كان معارضا شرسا لأي تقييد حكومي للسوق، وأن رفضه للتقييد الحكومي مبدأي وجذري. ٢- أنه قدّم تصورا عقلانيا للإنسان، باعتباره كائن نفعي عقلاني يحرّك نشاطه الاقتصادي دوافع أنانية بمراكمة الأرباح والثروات. في هذه التدوينة سأوضح أن هذان الأساسان ليسا دقيقان، وسأكشف أن القراءة المتعمقة لآدم سميث ستكشف أن موقفه من علاقة الحكومة بالسوق علاقة معقدة وفيها تفاصيل كثيرة، وكذلك ستكشف أن تفسيره لسلوك الإنسان الإقتصادي ليس عقلانيا بقدر ما هو امتداد لنظريته الأخلاقية والنفسية حول الطبيعة البشرية. Continue reading
فهم الاحتلال … شرط فهم التطبيع والمقاطعة والمقاومة
منذ احتلال العراق عام 2003، اشتعلت في المنطقة العربية حرب باردة بين محورين درج الإعلام على تسميتهما بمحوري المقاومة والاعتدال. وعندما أشعل التونسي، محمد البوعزيزي، نفسه معلنا انطلاق الربيع، ارتفعت الآمال ببروز طريق ثالث غير هذين المحورين، طريق لا يجعل النضال لأجل فلسطين مناقضا لمطلب الديمقراطية، وطريق لا يجعل مطلب الديمقراطية مشروطا بالتخلي عن فلسطين. إلا أن هذه الآمال حطمها هذان المحوران، حيث أدى الربيع العربي إلى تحويل تلك الحرب الباردة إلى أخرى أكثر حرارة بكثير.في خضمّ هذا الصراع، تنشط النخب الفكرية والأجهزة الإعلامية التابعة لهذا المحور وذاك، في إعادة تعريف المفاهيم، واستغلال القيم، وتوظيف ما هو ثمين وغال (كالقضية الفلسطينية) في قلوب وعقول الشعوب العربية، لخدمة مصالح وغايات هذا المحور وذاك.
وهذا الظرف هو ما يجعل الواحد منّا، نفسه، مندهشا من حجم التشويش وانعدام الوضوح في قضايا ومفاهيم يفترض بها أن تكون دوما واضحة. لهذا السبب سأقوم في هذا المقال بشرح ثلاثة مفاهيم: التطبيع، والمقاطعة، والمقاومة. وسأقوم بذلك عن طريق إعادة الاعتبار لمعنى “الإحتلال”، ذلك أن نسيان أن القضية الفلسطينية في جوهرها هي قضية احتلال استيطاني، وليست نزاعا حدوديا، هي الخطوة الأولى نحو انعدام الوضوح. Continue reading