“لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.”
– المادة (١٩) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
يتصور البعض أننا عندما نتحدث عن “حقوق الإنسان” أننا نتحدث عن مسألة ترفية لا تمس مباشرة واقع الإنسان، هذا الواقع الذي لا أعلم كيف، لكنه فجأة يتقلص إلى مسألة مالية أو غذائية أو أمنية. البعض الآخر، ينظر للمسألة باعتبار أننا- أولئك الذين يدعون لمثل هذه الحقوق- متأثرين بالغرب، وأننا نروج لأفكار تتعارض في جوانب منها مع الشريعة والدين…إلخ هذا الكلام. في الحقيقة، أن كل هذا الكلام لا معنى له. وسأحاول قدر الإمكان توضيح أن “السعودي” هو من أكثر الناس قدرة على تخيل وفهم معنى هذه الحقوق ومدى استحقاق كل إنسان لها، وذلك- ببساطة- لأنه حديث عهد بدولة حديثة. فالمطالبة بحقوق الإنسان مرتبطة ارتباطا جذريا بظهور الدولة الحديثة وطبيعتها السيادية. والمدخل الذي سأستخدمه في توضيح هذا الأمر، لن يكون أكثر من قصة الإنسان السعودي، الذي انتقل من “القرية” إلى “الدولة”، ولن تكون حقوق الإنسان، إلا تلك التي كان يتمتع بها في “قريته” ليجد نفسه مسلوبا منها في دولته، وسنبدأ بالحق في التعبير عن الرأي.
أنا سعودي، لكن جدي ليس كذلك. ولعل ارتفاع معدلات البطالة في نفس الوقت التي تتزايد فيه أعداد العمالة الأجنبية في البلاد سيجعل القارئ -الذي بدأ يعاني من رهاب الأجانب الذين تحولو إلى كبش فداء يحملهم كل مشاكله الحياتية- يفهم أن معنى الجملة السابقة أني “مجنس”، وهذا ليس صحيحا. فجدي كان “بريداويا”، ولكنه لم يكن سعوديا لأن الدولة لم تقم بعد، واعتقد أن نسبة كبيرة من السعوديين لم يكن أجدادهم سعوديين، أو على الأقل عاشوا الفترة الكبرى من حياتهم وهم ليسوا سعوديين. وكل ما سأفعله هنا هو مقارنة بين الحقوق التي كان يتمتع بها جدي “البريداوي” وأنا “السعودي”. أنا وهو عشنا في نفس المكان، كلنا عشنا في بريدة، لكن هو عاش في بريدة التي لم تكن جزءا من دولة حديثة، وأنا عشت فيها بعد أن أصبحت جزءا من هذه الدولة. Continue reading