هذه المقالة هي واحدة من مقالات الزميل “السمهري” الذي سيشرفني بإعادة نشر مقالاته هنا…
فصل التوائم السيامية هي من العمليات الجراحية الصعبة. الكل منا يتذكر المحاولة الفاشلة لفصل الإيرانيتين. حظيت تلك العملية بتغطية إعلامية استثنائية. من المؤكد أن التغطية الإعلامية فاقت التغطية الإعلامية لجراحة القلب المفتوح الناجحة للرئيس ييلتسن بمبضع الجراح الأمريكي العربي دبيخي. والأخير لم يستمر في العمل طويلا بعدها فقد منحه الرئيس والكونجرس جائزة الاستحقاق وعمره جاوز الثمانين ليموت بعدها بأشهر. لم يسأم دبيخي كما ابن جلدته زهير . وكذب نبوءة أبو الطب الحديث أوسلار الذي جادل أن الإبداع يتلاشى بعد الستين. وما صدقت فيه تقسيمات أريكسون لحقب النفس البشرية.
السعودية اشتهرت بفصل التوائم. والفريق السعودي حريص جدا في اختيار «التوائم القابلة للفصل» وهو لا يغامر بعمليات من نوع عملية التوائمين الإيرانيتين. قد يكون هذا بقية من قسم هيبوقراط (لا تحدث ضررا)، وهو محمود ولا شك.. أو رغبة زغاريد النجاح.
عدوى فصل التوائم تجاوزت المستشفيات: متابعة ما يسمى السجال الليبرالي الإسلامي في السعودية مسألة ممتعة، ربما لا يستمتع المراقب بالتنوع والغنى في الطرح بمقدار استمتاعه باحترافية المناورة عند الطرفين. والحق أن أيا من التيارين غير مطالبين بأكثر من ذلك. إذ أن المسألة مسألة صراع في النفوذ في منطقة لديها ظروف استثنائية منذ لحظتها الأولى، فالدولة السعودية حاضنة الحرمين أقدس بقاع الدنيا عند المسلمين، هي أيضا قارة النفط اهم سلعة في اقتصاد العالم، تأسست هذه الدولة بعد تحالف فلاني بين القيادة السياسية والمؤسسة الدينية، وربما كان هذا التحالف في الدولة السعودية الأولى والثالثة أقوى مما كان في الثانية. والملفت أيضا أن هذا التحالف لم يتأثر يوما بأي من الأزمات التي تنسب عادة للفكر الديني، فلا تمرد “الأخوان” ومن ثم معركة السبلة (1932)، ولا حادثة اقتحام الحرم على يد مجموعة جهيمان (1979)، ولا حتى أحداث سبتمبر (2001) ومايو (2003) أثرت على مفصلية المؤسسة الدينية في الدولة السعودية. بل يمكن القول أن المؤسسة الدينية التقليدية التي لم تسهم بشكل مباشر في أي من هذه الأزمات خرجت في كل مرة أقوى مما كانت. ولعل الاستثناء الوحيد كان الخيارات السياسية لقيادات المد الإسلامي إبان أزمة الكويت (1990) التي ساقت الإسلاميين في السعودية إلى تصعيد وصدامات ما كانت في حسبانهم قبل اجتياح الكويت.
التيار الليبرالي لعب دورا مختلفا. إذ أوكل إلى شخوصه ملف الدنيا، فكانوا هم جل تكنوقراط الدولة في معظم الأزمنة، ولعل هذه المهمة لم تساعد كثيرا في التقعيد للخطاب الليبرالي، إذ من طبيعة التكنوقراط أن ينسجم خطابهم مع الخطاب الرسمي الذي هو في أساسه محافظ ، كما أن المسؤول في الدول النامية وبحكم غياب الرقابة قد تشغله ملفات ومكاسب فردانية تلهيه عن همومه الأولى وعن التبشير بأفكاره. ولو سلمنا أن الفساد كان واحدا من تلك المكاسب الفردية فهو سينعكس سلبا على شعبيته وعلى ما يمثله من فكر. كما أن “الوزير المنظِّر”، وبحكم اجتماع عنصريّ السلطة والثقافة، هو الأكثر عرضة للنرجسية الذاتية فيحتضر المشروع في تضخمات الأنا.
لو سلمنا بصحة ما اقترحته في مقالة سابقة في أن المرحلة الحالية هي مرحلة «المحافظة السياسية الكبرى»، ربما تمهيدا لمشهد لم تتجلَّ ملامحه، فالسؤال هو ما الذي يفعله التياران الأساسيان الليبرالي والإسلامي الآن؟ كيف يقضيان الوقت؟
المشهد يعكس اكثر من حالة، فعلى سبيل المثال تراهن «الليبرالية الوهابية» على ما تسميه تعرية القطبية، ومحاربة الثقافة الإخوانية التي اخترقت الخطاب الديني في السعودية منذ النكسة، وتحميل الصحوة المسئولية في انتشار خطاب العنف ومشاركة الشباب السعودي بنصيب الأسد في الإرهاب العالمي، واختطاف العمل الخيري لأهداف حزبية، ومسؤولية الشلل في موضوع حقوق المرأة ومشاركتها في التنمية.
وتطمح «الليبرالية الوهابية» أن تدين الصحوة دون التصادم مع المؤسسة الدينية التقليدية. بل تجتهد ما استطاعت لتفصل بين «فكر الصحوة» و «وعلوم الشريعة»، وبين «رموز الصحوة» و«أئمة الدعوة». ورغم أنها لم تقدم تصورا متكاملا عن علاقة الديني بالسياسي في التجربة التاريخية للدولة السعودية إلا أنها تنادي عادة بأن تلك العلاقة قامت على أساس «الطاعة ». يُطيع فيها «الشيخ» ولي أمره «الإمام» لإقامة دولة الشريعة. ولا تقدم «الليبرالية الوهابية» مخرجا لإمكانيات التصادم مع الفكر الوهابي الخام.
في السنتين الاخيرتين صار التيار الليبرالي يلبِّس مطالبه لبوسا شرعيا كما في بعض سجالاتهم الشرعية مع هيئة الحسبة. ويُكثِّيف الضوء على دور المرأة في العصر الاسلامي الاول بما فيه عهد النبوة.
هذا الطرح قد يحرج الصحوة لكنه لا يقدم حلا. فالفصل بين الموسسة الدينية الرسمية والمد الاسلامي الصحوي مسألة ليست غاية في السهولة، بل ان العلاقة تكاد تصل درجة التماهي في غالبية حقبة الشيخ عبدالعزيز بن باز، مفتي السعودية الراحل، رحمه الله.
هناك ايضا تداخل في الشخوص، فطلبة العلم من ابناء الصحوة بعضهم الآن يتربعون مقاعد عليا في المؤسسة الدينية التقليدية، (مثل رئاسة مجلس الشورى وعضوية هيئة كبار العلماء) وآخرون لما يلحقوا بهم.
في الجهة الأخرى المقابلة تساهم بعض الرموز الإسلامية بنوع آخر من عمليات فصل التوائم، ولعل الدكتور محمد حامد الأحمري هو افضل من يمثل هذه الحالة. هو أيضا مغرم بذات الدور، يفصل بين القيم الإنسانية وبين الحضارة الغربية التي انتجتها. عاد من أمريكا عاشقا لحرية الفكر وعدالة الحياة لكنه لا يريد أن يصدع بعبارة الإمام محمد عبده (وجدت إسلاما بلا مسلمين)، فبغضه للثالوث المسيحي ( البابا، بوش، بلير) يطفح أحيانا إلى مساحات كثيرا ما تغزل بها. يمتدح الحرية والعدالة والمشاركة بوصفها قيما إنسانية ولا يستحضر جواب رشيد رضا الشهير: “لولا ديمقراطية الغرب لنسينا شورى الإسلام”. يسخر من التحليل السياسي على أساس عقائدي عندما يناقش «المعضلة الشيعية» في الخليج داعيا إلى فهم أدق لظروف الصراعات البشرية، لكنه ما إن يخرج من هذا الموضوع – اعني «المعضلة الشيعية» – ليحاول فهم العالم من حولنا نجده هو الذي هذه المرة يتكئ على التحليل العقدي للأحداث مفسرا علاقة الغرب بعالمنا من منطلق حلف مسيحي – صهيوني يقوده الثالوث: البابا (بنديكت السادس عشر) والرئيس (جورج دبليو بوش) ورئيس الوزراء (توني بلير). هذا التفسير العقدي كان حذرنا منه عشقه الكبير إدورد سعيد، لكنه (الأحمري) عقيدة، أو سياسة، لم يترحم عليه، فالعقل الكبير يقضي على العاطفة.
فصل التوائم صار عنوانا للحالة الطبية في السعودية يلخص إنجازاتها وتناقضاتها، السؤال: هل انتقلت هذه العدوى – عدوى فصل التوائم – إلى أطياف الفكر السعودي؟!
قال الكاتب»شرعيا كما في بعض سجالاتهم الشرعية مع هيئة الحسبة. ويُكثِّيف الضوء على دور المرأة في العصر الاسلامي الاول بما فيه عهد النبوة.
هذا الطرح قد يحرج الصحوة « اقول له لست تحكم بالعمومية وتطلق احكاما واهية بأنها احرجتهم. الشريعة واضحة كالشمس في كبد السماء ومن ثم من هم الذين يساجلون اهل الفقه والدين هل هم الليبريون وأنى لهم ان يفقهوا شيئا حتى يناقشوه