في ميدان العلاقات الدولية، توجد العديد من النظريات التي تفسر وتحلل علاقات الدول والمنظمات السياسية بعضها البعض، وكلها قابلة للتوظيف والمناقشة والنقد والإثراء. لكن هناك دوما فرق بين (نظرية) سياسية في العلاقات الدولية، وبين دعاية سياسية (بروباجندا) تلغي الواقع القائم بكافة توازناته الاقتصادية والاجتماعية وسياقاته التاريخية لتخترع عالما جديدا يتناسب والأغراض الذي من أجله وضعت هذه الدعاية. وككل دعاية، فهي تخاطب في الإنسان عواطفه ومخاوفه أكثر من كونها تخاطب عقله. ومن هذه الزاوية فهي لا تقنع إلا جمهورا محددا من أولئك الذين لم يكوّنوا رأيا صلبا أو ليس لديهم علما كافيا. وهي بالطريقة البسيطة التي تصور بها الواقع الجديد بارجاع الشر كله لجهة واحدة وتصوير كل الاحداث أنها نتاج مكائدها واحقادها ومؤامراتها، تجد قبولا كبيرا لدى هذا الجمهور الذي يحب التفسيرات البسيطة والساذجة لعالم شديد التعقيد. وككل دعاية أيضا، فالدعاية السياسية لها مروجوها وداعموها ومنظروها، والذين قد يكونون على وعي بما يقومون به من تزييف أو على غير وعي. وأحد أشهر الأمثلة الصارخة التي نسمعها كثيرا هذه الأيام هي الدعاية السياسية التي تبث الرعب في العرب عموما وعرب الخليج خصوصا من مشروع (صفوي) يهدد وجودهم. Continue reading
الصراع على الحيز الخاص
هناك العديد من محاولات النظر للصراع الفكري الذي يشتعل حولنا، هناك من يجعله صراعا لبرالي/إسلامي، وآخر يراه معركة بين التقاة والمنافقين، وثالث يعمد أطرافه القصوى بأنهم إما محافظين أو تغريبيين؛ لينشأ بعد ذلك صراع أكبريدور هذه المرة- ببؤس شديد- على الكلمات: ما بين منكر لوجود (لبرالية) أو (تغريب) لدينا وما بين مثبت، وما بين مبرر لاتهام المخالفين بالنفاق وبين رافض…إلخ. ولكي نتفادى الانزلاق إلى هذه الصراعات حول الكلمات والأسماء، سأحاول أن أعيد النظر من جديد لهذا الصراع الفكري، بطريقة لا تركّز على تحديد أطرافه وتوجهات هذه الأطراف، بقدر ما تركز على تحديد ميدان الصراع الذي تتصارع حوله هذه الأطراف، والذي لن يكون شيئا آخر سوى (الحيز الخاص).
في الدولة الحديثة، ما عدا الشمولية منها، يكون الإنسان مواطنا وفردا في نفس الوقت. فرد في (حيزه الخاص) Continue reading
محاولة فهم النقاش في إشكالية المناهج
هذه المقالة (نشرت عام ٢٠٠٤) هي واحدة من مقالات الأستاذ “سليمان الصيخان” الذي سيشرفني بإعادة نشر مقالاته هنا…
تعيش المنطقة – إقليمياً – حراكاً كبيراً على مستويات عدة، وأكثر تمثلاتها ظهوراً وإثارة “السياسي والفكري”.
وتمثل “المناهج” أحد أشد أجندة ذلك الحراك إثارة للجدل والانقسام والالتباس وتبادل سوء الفهم، بسبب عوامل عدة. وفي ظني أن فحص أسباب الالتباس وتشابك الخطوط يسهم في إيضاح الرؤية وإعطاء الموضوع حجمه الحقيقي.
وسأحاول كشف شيء من الالتباس من خلال تناول اثنين من أسبابه:
أولاً: موضوع “المناهج”، رشح من سنوات ليكون أحد “رمزيات” الصراع بين المدارس الفكرية في الساحة، وتضخمت هذه الرمزية لتصبح الآن الاشكالية الرقم واحد. Continue reading
صعود اليمين السعودي المحافظ
في مقالة بعنوان (تصوير خاطئ للخصوصية السعودية)، كتب علي العميم قائلا: (…أن السعودية في حاضرها وماضيها القريب، على مستوياتها الآيديولوجية، لم يوجد فيها -بتاتا- تيار يميني فاشي). لم تمض على هذه المقولة ثمان سنوات إلا وها نحن ذا نشهد تخلق وولادة هذا التيار اليميني المحافظ -والذي لم يصل بعد لقمته الفاشية- بيننا. وبشكل عام، يظهر هذا التيار على السطح بعد حدوث حدث تاريخي كبير كالثورات والأزمات الاقتصادية والهزائم العسكرية. فالمحافظة الانجليزية تشكلت كردة فعل على الثورة الفرنسية وخصوصا في كتاب إدموند بيرك (انعكاسات الثورة الفرنسية)، والحزب النازي تشكل عقب هزيمة الحرب العالمية الأولى والأزمة الاقتصادية التي لحقت بها والتي أصابت جمهورية فايمر بالعجز. وفي أمريكا، ازدهرت المكارثية في الخمسينيات والستينيات الميلادية بعد التهديد الذي مثلته الشيوعية. وها نحن ذا نشاهد صعود (حزب الشاي) اليميني الراديكالي في أمريكا- الذي حجز له مكان واضحا في انتخابات الكونجرس الأخيرة- كردة فعل على الأزمة الاقتصادية. ومع الثورات العربية الأخيرة، نستطيع تلمس ومشاهدة تيار يميني محافظ يتشكل أمام أعيننا يتكون من مجموعة من مثقفي التكنوقراط ولبراليين سابقين ومجموعة من الشباب في الشبكات الاجتماعية والمنتديات على الانترنت، هذا التيار الذي يشق طريقه بين التيارات السعودية كتيار رابع إلى جانب الإسلاميين واللبراليين والتنويريين Continue reading
قراءة في “المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين”
منذ انهيار جدار برلين، وسقوط الاتحاد السوفييتي، وتحول الولايات المتحدة الأمريكية لقوة عظمى وحيدة على هذا الكوكب… تشكلت أيديولوجيا تحاول بناء “نظام عالمي جديد”، هي أيديولوجيا المحافظون الجدد التي تنطلق من تراث تدعوه “مسيحي-يهودي”، وتدعو لحرية التبادل الاقتصادي، والدفاع عن الحضارة ضد عدوها الأهم “الإرهاب”، الذي – ومنذ 11\9- لن يعني شيئا سوى الإسلام.
هذه الرؤية التي يحاول جورج قرم في كتابه “المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين” فهم كيفية انبعاثها المفاجئ: كيف تلاشت الديكورات القديمة (العلمانية) التي حكمت رؤيتنا للعالم، لتحل محلها كل هذه الديكورات (الدينية)؟
تبدأ القصة عنده من النقد المكثف الذي تم توجيهه للحداثة وتراث فلسفة الأنوار والثورة الفرنسية، والذي من خلاله سيتم إرجاع كافة مظاهر العنف التي شهدتها أوروبا، ابتداء من سنوات الإرهاب التي أعقبت الثورة الفرنسية، مرورا بنشوء أنظمة شمولية قمعية، وانتهاء بحربين عالميتين، وما تخلل الأخيرة من كم هائل من العنف تجسد بشكل خاص بالـ”هولوكوست” التي أقامته النازية بحق اليهود. في أعمال كـ “التفكير بالثورة الفرنسية” (1978م) لفرانسوا فوريه، الذي سيرجع كافة الفضائع والعنف الذي شهدها العالم الحديث للفكر الثوري الذي أبدعته الثورة الفرنسية، فعمل هذه الثورة بالنسبة إليه “يستنفد عالم القيم، إذاً معنى الوجود”. مثل هذا النمط يرصده قرم عند مفكر آخر هو باتريك غنيفي الذي يعتبر أن “المنطق الداخلي للثورة هو الذي يدعو إلى دينامية الإرهاب…”. يتابع قرم رصده لهذا الرفض للثورة والأنوار عند مفكرين آخرين كفريدريك روفيوا وألان بزانسون. Continue reading