منذ انهيار جدار برلين، وسقوط الاتحاد السوفييتي، وتحول الولايات المتحدة الأمريكية لقوة عظمى وحيدة على هذا الكوكب… تشكلت أيديولوجيا تحاول بناء “نظام عالمي جديد”، هي أيديولوجيا المحافظون الجدد التي تنطلق من تراث تدعوه “مسيحي-يهودي”، وتدعو لحرية التبادل الاقتصادي، والدفاع عن الحضارة ضد عدوها الأهم “الإرهاب”، الذي – ومنذ 11\9- لن يعني شيئا سوى الإسلام.
هذه الرؤية التي يحاول جورج قرم في كتابه “المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين” فهم كيفية انبعاثها المفاجئ: كيف تلاشت الديكورات القديمة (العلمانية) التي حكمت رؤيتنا للعالم، لتحل محلها كل هذه الديكورات (الدينية)؟
تبدأ القصة عنده من النقد المكثف الذي تم توجيهه للحداثة وتراث فلسفة الأنوار والثورة الفرنسية، والذي من خلاله سيتم إرجاع كافة مظاهر العنف التي شهدتها أوروبا، ابتداء من سنوات الإرهاب التي أعقبت الثورة الفرنسية، مرورا بنشوء أنظمة شمولية قمعية، وانتهاء بحربين عالميتين، وما تخلل الأخيرة من كم هائل من العنف تجسد بشكل خاص بالـ”هولوكوست” التي أقامته النازية بحق اليهود. في أعمال كـ “التفكير بالثورة الفرنسية” (1978م) لفرانسوا فوريه، الذي سيرجع كافة الفضائع والعنف الذي شهدها العالم الحديث للفكر الثوري الذي أبدعته الثورة الفرنسية، فعمل هذه الثورة بالنسبة إليه “يستنفد عالم القيم، إذاً معنى الوجود”. مثل هذا النمط يرصده قرم عند مفكر آخر هو باتريك غنيفي الذي يعتبر أن “المنطق الداخلي للثورة هو الذي يدعو إلى دينامية الإرهاب…”. يتابع قرم رصده لهذا الرفض للثورة والأنوار عند مفكرين آخرين كفريدريك روفيوا وألان بزانسون. Continue reading