اختلف النقّاد البريطانيون في تفسير أعمال الشغب التي اندلعت هناك وما زالت مستمرة منذ الأسبوع الماضي. فبعض محللي اليسار نظروا لهؤلاء (العصابات)- كما يسميهم رئيس الوزراء كاميرون وكأنه صدى لتسميات الحكومات العربية للثوار الذين يقتلعون حريتهم من أعينها- باعتبارهم مجموعة من المحرومين والمتضعفين والمهمشين الذين انتفضوا كنتيجة لسياسات المحافظين الجدد الاقتصادية منذ اعتلاء مارجريت تاتشر سدة الحكم قبل ثلاثين عاما. أي أنهم لم يروا خلف هذه الأحداث إلا العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي (اضطرت) هؤلاء لأن يقوموا بأعمال العنف هذه. بالمقابل، وضع بعض كتاب اليمين كل اللوم على سياسات (دولة الرفاه) السائدة قبل تاتشر وعادت نسبيا في عهد بلير، كونها أنشأت جيلا حُقن فيه أنه بإمكانه أن يحصل على الأشياء دون أن يكدّ من أجلها، وأن المبالغة في حماية حقوقه الإنسانية تكاد تجعله معفيا من العقاب حال اقترافه جرما. نجد هنا أيضا، أن اليمينين يرجعون الأحداث لآثار سياسة دولة الرفاه الاجتماعية والاقتصادية. كلا الفريقين يتشاركون مع كاميرون – الذي بدوره لا يرى في الأحداث سوى (إجرام محض)- بأن لا شيء (سياسي) في هذه الأحداث انطلاقا من كونه لم ترفع شعارات وإنما محض تخريب للمتلكات. ومن هنا تحديدا، من انعدام المعنى السياسي فيها، من هذه العدمية، نجد فيها نحن ردا (عقلانيا) على عدمية السياسة البريطانية نفسها. فبحسب كارل بوبر- أحد أكبر المدافعين عن الديمقراطيات الغربية خصوصا تلك الموجودة في بريطانيا وأمريكا- فإن الديمقراطية ليست أبدا (حكم الشعب)، بل هي تحديدا النظام الذي يسمح بالإطاحة بحكومة دون إراقة أي دماء. وانطلاقا من هذه الزاوية، تتجلى عدمية أعمال الشغب هذه كتعبير لا يعكس أكثر من عدمية الديمقراطية البريطانية، أي بمعنى آخر انعدام كل الوسائل التي تطيح بالحكومة دون إراقة دماء لفاعليتها. Continue reading →