مطلع القرن العشرين، بعيد الحرب العالمية الأولى عندما انطلقت الثورة الروسية وتابع الإيرلنديون كفاحهم من أجل الاستقلال عن بريطانيا، كتب الشاعر الإيرلندي “ييتس” قصيدته “المجيء الثاني” التي يقول فيها هذا البيت:
أفضل الناس يفتقرون إلى الإيمان، أما أسوأهم
فيفعفهم شغف مشبوب.*
وهذا البيت يلخص باقتدار حالة من يدعون إلى الإصلاح في السعودية بمعناه العام – بكافة معانيه ومن مختلف الأطياف- حيث أنهم، وعلى الرغم من شرعية ما يدعون إليه ويطالبون به إلى أن إيمانهم به يكاد يكون فقيرا، في حين أن غيرهم من المنتفعين واليمينيين والمحافظين ممتلئين بالطاقة والحماس ويعملون في كافة الأطياف والمجالات من أجل بثّ حجج وصور ودعايات مضادة للإصلاح.
أين هم أصحابنا “الطيبون”؟
إنك لن تجدهم في أي مكان، دعك عن النشاط العملي، فحتى الردّ بالكتابة ودعم مواقفهم عبر أدبيات متراكمة يكاد يصل إلى حده الأدنى. هذا شخص يريد أن يفهم ما هي المشاكل التي نعاني منها بالسعودية، وما هي الحلول المقترحة لحلها: إلى أين يذهب؟ لا مكان، لا توجد أي أدبيات واضحة توضح وتشرح كيف يمكن أن ننظر إلى مشاكلنا خارج الإطار الذي يحاول دعاة الوضع القائم فرضه علينا للنظر من خلاله.
إنه أمر محبط أن ترى قضية عادلة بهذا الشكل، لا تتوفر على مدافعين مستعدين لبذل أي شيء من أجل إنجاحها.
هناك من يرى أن الثورات العربية جعلت الحكومة السعودية أكثر محافظة… وهذا على أية حال أمر طبيعي ومتوقع، لكنه ينسى أن يضيف أنها أيضا جعلت “الإصلاحيين”: ظاهرة هجائية يتوقف دورهم على تتبع المواقف الرسمية وابداء الامتعاض- فقط الامتعاض منها، دون التجرؤ على النقد أو طرح أي بدائل أو حتى حججا تدعم ذلك الموقف الممتعض، وتعويض النقص الحاصل في مواقفهم الداخلية بنوع من “الاستئساد” الثوري في كل الدول العربية التي اندلعت وتندلع فيها ثورات شعبية، وهذا الأمر ليس طبيعيا ولا متوقعا أبدا.
يتابع ييتس قصيدته قائلا:
لا شك أن هبوط وحي ما قريب؛
لا شك أن المجيء الثاني قريب.
المجيء الثاني! إذ تنطلق مني هذه الكلمات
تغشى ناظري صورة هائلة.
تنطلق من “روح العالم”: وفي مكان ما من رمال الصحراء
يتحرك مخلوق جسمه جسم أسد، رأسه رأس رجل،
نظرته جوفاء، خالية من الرحمة، كالشمس،
ويحرك أردافه البطيئة، وحوله في كل مكان
تترنح ظلال الصحراء الغاضبة،
ويهبط الظلام مرة أخرى، ولكني أعلم الآن
أن عشرين قرنا من السبات الحجريّ
قد أثار كابوسها مهد متأرجح،
فأي وحش فظّ، حلت ساعته أخيراً،
فراح يحبو نحو بيت لحم، ليولد؟
* هنا يوجد نص القصيدة باللغة الإنجليزية: The Second Coming، وهنا ترجمة عربية لها قامت بها الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي .
أوافقك الرأي 🙂
مقاله جميله شكرا لك
لا يأخدك الإحساس بالحاجة إلى الانتقال لمرحلة أخرى عن تقدير الظرف الذي يتطور خلاله الإصلاح والتاريخ “الضحل” لمسيرنه. إنه نوع من القسوة يا سلطان أن نقارن بين مدارس وتيارات محافظة قامت على أساسها الدولة وإلى حد بعيد شكلك الثقافة السائدة, في مجتمع لم تبدأ بناه التقليدية بالتفكك إلا في العقود القليلة الماضية, بأفراد ومجموعات متناثرة مازالت تحمل أفكار حديثة الولادة ولم تفطم بعد من حالتي “الشك” و”ردة الفعل” ولم تأخذ فرصتها التاريخية بعد في أن تشق لها طريق فكري مميز يمثل الحد الأدنى من الإنسجام.
ربما السؤال الأكثر إنصافا هنا : “من” هم أصحابك الطيبون؟