“إذا كان علي أن أخير بين أن أخون صديقي أو أن أخون وطني، فإني أتمنى أن أملك من الشجاعة ما يجعلني أخون وطني”
إدوارد فورستر
-١-
الحكومة في فرنسا تسمى “الجمهورية الخامسة”، أي أن الفرنسيين، منذ الثورة الفرنسية قبل مائتي عام، مرو بخمس جمهوريات، تخللتها ممالك وامبراطوريات واحتلالات. وعلى الرغم من تعاقب الحكومات هذا الذي مرت فيه البلاد، إلا أن “فرنسا” بقيت هي فرنسا، الوطن الذي يضم كل الفرنسيين. و لعل اللحظة التي تجلّت فيها الوطنية الفرنسية، كانت عندما احتلتها المانيا النازية، وتشكلت على الأثر حركة مقاومة عنيدة تدافع عن “فرنسا” على الرغم من انهيار الحكومة القديمة، وعلى الرغم كذلك من وجود حكومة فرنسية عميلة قام بانشائها الألمان. كانت حركة المقاومة هذه “وطنية” لأنها تدافع عن الوطن، الذي لا يعني مساحة جغرافية فقط، بل يعني بشكل رئيسي الفرنسيين- كاثوليكيهم وبروتستانتيهم، متدينهم وعلمانيهم، رجالهم ونسائهم- الذين يسكنون قطعة الأرض هذه.
لم يكن قيام اسرائيل إعلانا عن عثور “أمة بلا وطن، على وطن بلا أمة”، بقدر ما كان إعلانا عن اقتلاع شعب كامل عن وطنهم. وهو أيضا كان إعلانا عن نضال طويل لهذا الشعب لأن يعود إلى وطنه، الذي وإن كان – باعتباره قطعة أرض- موجود في الخارطة، وإن قامت دولة فلسطينية على جزء صغير منه: لن تتم استعادته أبدا حتى يعود ناسه إليه.
فالوطن ليس حكومة، ليس قطعة جغرافية، بقدر ما هو – وبشكل جوهري: الناس- بكافة تنوعاتهم واختلافاتهم- الذين يعيشون فيه.
-٢-
يغار العاشق على حبيبته، يغار عليها عندما يرتاب في أن آخرا يشاركها فيه. وعلى الرغم من أن الغيرة أعظم علامة على الحب، إلا أنها أبدا لا تعتبر عذرا يبيح للشخص انتهاك حرمات الآخرين ودمائهم Continue reading →