(الوعي الشمولي الإلمامي هو، في الواقع، جهل شمولي بكل شيء. والجهل عدو النهضة والتنوير، العدو بأل التعريف. ومأساته أنه يبدو كونيا لأنه لا يتورع عن التعامل مع قضايا كونية. لكنه في الواقع يعمق الهامشية لأنه يعمق الجهل، ولأنه يبنى على عصبيات، ويميل بشكل طبيعي لرؤية أسطورية تتصور عالما يحركه الصراع بين الخير والشر، لكنه يستبدل القوى الأسطورية بدول وقضايا دينيوية)
عزمي بشارة
ضد عزمي أم ضد المعرفة؟
من يكتفي بقراءة ظاهر ما كتبه إبراهيم السكران عن عزمي بشارة سيجد فيه غيرة دينية مبالغ فيها، فلا الكلام الذي قاله عزمي عن البسملة يعتبر إهانة ولا “بشاعة”، بل هو في أقصى حالاته “سوء فهم”. وسوء فهم عزمي نابع من اعتبار المعنى العربي للكلمة مماثل للمعنى الإنجليزي لها الذي أصبح شائعا في الاستخدام العربي، أي أن “بسم الله” تعني “نيابة عن الله”. ولكن ما الذي يجعل “سوء فهم” عابر كهذا، يستدعي مقالة طويلة عريضة وتنبيشا في كتب عزمي بحثا عن أي كلام عرضي لتحميله فوق ما يحتمل من أجل تشويه صورة شخصية مناضلة وقامة فكرية مثل عزمي بشارة؟ إن الجواب عن سؤال كهذا، يحتاج لأكثر من مجرد قراءة ظاهرية لكلام السكران، إنه يحتاج لقراءة أعمق بكثير تنطلق من فهم السياق العام حتى لا ينخدع القارئ بالغيرة الظاهرية في كلام السكران. بمعنى آخر: قراءة تستطيع تمييز الانحيازات الحزبية الداخلية في هذا الكلام.
فهذه الهجمة السكرانية على المفكر عزمي بشارة ليست سوى حلقة ضمن سلسلة أعم لحملة يقودها التنظيم السروري وبعض متشددي الإخوان المسلمين في السعودية ضد تيار التنوير والاصلاح بشكل عام. ففي السنوات الأخيرة نشأ وينشأ داخل المجتمع السعودي تيار شبابي متعدد الأطياف يمتد من الإسلامي المتنور ويمر عبر الإصلاحي السياسي والحقوقي المدني والناشطة في حقوق المرأة ولا ينتهي إلا عند الفاعلين ضد الطائفية والمتطوعين الاجتماعيين وغيرهم. وهذا التيار العريض، وإن كان متنوعا ومختلفا في داخله، وإن كانت قصص نشوءه وتشكله متعددة وغير مرتبطة فيما بينها، إلا أن ما يجمع أطيافه هي ثلاث خصال:
١- الوطنية: بمعنى أن الجميع يعمل لصالح الوطن وأبنائه بغض النظر عن تنوعهم واختلافهم، وليس كما هو الحال في الخطاب الذي يحاول السكران إحياءه والذي ينطلق من أن هذا الوطن يجب أن يكون حكرا على طيف واحد ولون واحد هما الطيف واللون اللذان يمثلهما هو.
٢- التنور: بمعنى تجاوز الأحادية، والكراهية، والطائفية، والتعصب التي تبثها التنظيمات الدينية التي يحامي عنها السكران إلى قيم التسامح والتعددية والتقبل والنقد والحوار.
٣- الإصلاح: بمعنى السعي بشكل سلمي في مقاومة الفساد وإحقاق الحقوق ورفع المظالم والوصول إلى الحرية والعدالة والمساواة بين أبناء المواطنين بشكل يناقض الخطاب الذي يتبناه ويدافع عنه السكران وهو خطاب يقدم مصالح التنظيم على الوطن، ويقدم المكاسب الحزبية والحركية على مكاسب الوطن الحاضرة والمستقبلية.
وهذا التيار موجود في البلد على شكل تجمعات تطوعية، وديوانيات ثقافية، وكتاب وناشطين وشيوخ وإعلاميين ومثقفين، وله رموزه ومؤسسات متعددة، التي على رغم عدم ارتباطها العضوي فيما بينها إلا أن الجامع بينها هو الرغبة بالنهوض بالبلد إلى حال أفضل. ولأن خطابه متناغم مع النفس السويّة فإنه ينتشر بسهولة وانسيابية بدون خداع الناس وتزييف وعيهم وممارسة الكذب المستمر عليهم، فهذا الأمر أصبح مصدر قلق للتيار الذي يدافع عنه السكران، فما هي الاستراتيجية التي قرروا من خلالها مواجهته؟ فتش هؤلاء عما في جعبتهم، فلم يجدوا إلا أبشع الأسلحة:
١- الكذب المستمر. ( ورائد هذه الطريقة هو وزير إعلام حكومة هتلر المدعو جوبلز الذي قال: (اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس) وأشهر مثال على ذلك إختلاق كذبة كبيرة اسمها “محاضن الإلحاد” وتخويف الناس منها ونشر البيانات المتعاقبة حولها، وعندما ندقق في الاشياء التي يسمونها “محاضن إلحاد” لن نجد سوى مجموعات شبابية من الشغوفين بالفكر والمعرفة يجتمعون من أجل نقاشات فكرية أو نادي كتاب وغيرها).
٢- التشويه. (والتشويه هو التفتيش عن زلة أو خطأ في شخصية عامة بدأت تكسب انتشارا واتباعا وتضخيمها وتكبيرها بحيث تلغى كل حسنات هذه الشخصية فلا تذكر إلا بذلك الخطأ، وأقرب مثال على ذلك الإشاعات التي أطلقها ابراهيم السكران وغيره ممن يدعون أنهم “شيوخ وعلماء” عن الشيخ عدنان إبراهيم وتصويره بأنه عميل لإيران فقط لأن هذا الشيخ المتنور الذي يطرح طرحا مختلفا عن طرح شيوخ التيار الذي ينتمي إليه ابراهيم السكران بدأ يمارس تأثيرا على الشباب السعودي، والمضحك في الأمر أن في هجومهم المسعور على ما يتوهمونه “محاضن للإلحاد”، لم يقم واحد منهم بكتابة أي كلمة للرد على الأطروحات الإلحادية المنتشرة في كل مكان، ولكن الذي قام بذلك هو من يتهمونه بالزندقة والنفاق والعمالة لإيران عدنان ابراهيم في سلسلة مطرقة البرهان وزجاج الإلحاد، فهم تركوا كل جهوده هذه، ولأنهم خائفون من طرحه المتنور وقدرته على التأثير، قاموا بتضخيم آراءه الخاصة عن معاوية بن أبي سفيان واختصار انتاج الشيخ بكل هذا، وهذا العمل التشويهي يشابه عمل من يختصر جهود شخصية كبيرة مثل سيد قطب بآراؤه الشاذة والغريبة حول النبي موسى)
٣- التحريض. (والتحريض هو أن يستقوي مجموعة أو تنظيم أو تيار بالسلطة السياسية لقمع خصومهم بعد أن أعيتهم الحجة وعجزوا عن منازلة خصومهم في ميدان الفكر والمحاججة، مثل الاستقواء بالدولة من أجل سجن خصومهم بتهم رخيصة كالالحاد وغيره، أو المطالبة باغلاق المناشط الفكرية كالجنادرية ومعرض الكتاب حتى يغلقوا نوافذ النور لتبقى عقول الناس مظلمة فلا تكتشف سوأة أفكارهم)
٤- التكفير والتفسيق والتبديع. (وهنا حدث ولا حرج: فكل من ينادي بالحرية والانفتاح هو منافق ملحد، وكل متحدث في الدين هو شيعي رافضي، وكل من يطالب بالاصلاح السياسي والاجتماعي هو تغريبي؛ والهدف من استخدام هذا السلاح هو خلق حاجز نفسي لدى أتباعهم وتخويفهم من الآخرين، حتى لا ينكشف لهؤلاء الاتباع حقيقتهم فينفضوا عنهم).
الآن، ما علاقة هذا الكلام كله بهجوم السكران على عزمي و”البسملة” ؟
باستحضار الصورة السابقة، نجد أن الجواب سهل، فعزمي بات مؤثرا ولهذا يجب إسقاطه. إذ بعد الربيع العربي وظهوره المتكرر على شاشة الجزيرة أصبحت جماهيريته كاسحة لدى الشباب السعودي، بالإضافة إلى تسابق الشباب السعودي على شراء كتبه (في المسألة العربية) و(المجتمع المدني) و(أن تكون عربيا في أيامنا هذه) في معرض الكتاب الأخير. وأخيرا، وهذا هو المهم هنا، أنه كان ضيفا في ملتقى النهضة الشبابي العام الماضي. وملتقى النهضة هذا، هو أحد المشاريع الشبابية السعودية الناجحة الذي يهدف إلى حث الشباب نحو النهضة، وذلك عبر عقد لقاء سنوي يجتمع فيه ١٢٠ شاب وشابة للنقاش والتبادل الفكري والالتقاء مع قادة الفكر والمصلحين والشيوخ المستنيرين مثل سلمان العودة وجاسم سلطان و محمد حامد الأحمري وأخيرا عزمي بشارة . وهذا الملتقى سيعقد لقائه السنوي الثالث بعد أسبوعين، وما هجمة إبراهيم السكران على عزمي بشارة، إلا تمهيد نظري للهجوم على هذا الملتقى، إذ ستسمعون فيما بعد أن هذا الملتقى يفسد الشباب ويجعلهم يلتقون بالنصارى الذين يسيئون للبسملة وإلى آخر هذا الكلام والأسلوب الرخيص، الذي أعتقد أنه بات مكشوفا وواضحا لكل شخص واعي يحترم عقله.
والمتتبع لغزوات إبراهيم السكران ومحاولاته المستمرة للتشويه لعدد كبير من الشخصيات، يعرف تماما ما أعنيه في أن البوصلة التي تحرك معاركه ليست كل مظاهر التقوى والورع التي يدعيها، بل المصالح الحزبية الضيقة.
وكدليل على حجم التزييف الذي يقوم به، لنعد إلى الاقتباسين الذين اقتبسهما من عزمي بشارة:
١- يقول السكران:
فمن طعون هذا النصراني أنه تهكم بوقاحة بحديث الإسراء والمعراج الثابت في الصحاح والسنن، والذي فيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- راجع ربه في عدد الصلوات المفروضات من خمسين إلى خمس، كما في البخاري:
(فرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي)[البخاري:349].
وهذا الحديث صحيح بإجماع أهل الإسلام، منتشر في الصحاح والسنن، ودلت عليه إجمالاً آية الإسراء.
فانظر ماذا يقول النصراني بشارة في التهكم بهذا الحديث:
(لا يمكن عملياً فحص مقولة مشعوذ شاب خطيب، بأن النبي –صلعم- قد تفاهم مع الله حول عدد الركعات التي تصلى، في عملية أخذ ورد، كما يرويها باللغة العامية لتقريبها لأذهان السامعات)[د.عزمي بشارة، طروحات عن النهضة المعاقة، ص101].
هكذا يكون حديث المعراج الشريف ومراجعة الرسول –صلى الله عليه وسلم- ربه في شأن عدد الصلوات إنما هي “شعوذة”! لا يمكن فحصها علمياً! اللهم شرف جناب نبيك –صلى الله عليه وسلم- عن وقاحة هذا النصراني، اللهم انتقم لنبيك–صلى الله عليه وسلم- ممن سخر بمعراجه الشريف.
وهذا تدليس وتزييف، وهو منهج يألفه السكران ويحبه وسبق أن كتبت في توضيح منهجه في التزييف. فعزمي كان يتكلم عن التفريق بين الحكم العلمي والحكم العام، وأن الحكم العلمي يمكن فحصه وتفنيده في حين أن الحكم العامي لا يمكن تفنيده وبالتالي لا يمكن إثبات خطأه وصوابه، وضرب على هذا مثالا حيث قال: (لا يمكن عمليا فحص مقولة مشعوذ شاب خطيب بأن النبي (صلعم) قد تفاهم مع الله حول عدد الركعات التي تصلى في عملية أخذ ورد كما يرويها باللغة العامية لتقريبها إلى أذهان السامعات وليبين لهم حرص الرسول الكريم على تسهيل الدين وشؤون العبادة. لكن بالإمكان فحص صحة أو خطأ مقولة أن غالبية الحضور من نساء الطبقة الوسطى المصابات بالضجر أو الملل من المجتمع الاستهلاكي الباحثات عن طريقة لملء أوقات الفراغ باستهلاك بديل وعليه أجر في الآخرة في الوقت ذاته) (ويمكن تحميل الكتاب من هنا )
وواضح من السياق أن عزمي لا يقول أن هذا الحديث لا يمكن فحصه علميا لأنه شعوذة، بل الأمر أكثر تعقيدا من هذا الفهم الساذج، وهو كالتالي:
١- لم يصف الحديث بالشعوذة، بل وصف الخطيب بأنه مشعوذ، ولم يصفه بأنه مشعوذ لأنه قال هذا الحديث، بل لأنه يوجد مشعوذين يستغلون الدين ويتكسبون من وراءه وإن كان ينكر السكران وجود مثل هؤلاء فهو مكابر.
٢- عزمي يقول أن الأحكام العامة لا يمكن فحصها علميا. وهذه مدرسة في فلسفة العلوم تسمى بالدحضية أو العقلانية النقدية ورائدها هو كارل بوبر تقول أن النظرية العلمية ليست هي الصحيحة والخاطئة، بل هي التي تقبل نظريا التخطئة. والكلام العام لا يقبل التخطئة، إذن هو ليس علميا، وكونه ليس علميا لا يلزم منه أنه خاطئ أو صحيح. على عكس المدرسة التأكيدية التي تعتبر كل ما هو علمي: صحيح، وهذه مدرسة اندثرت لا يؤمن بها هذه الايام الا مجانين العلموية في الغرب، وبعض المتخلفين العرب من أمثال السكران الذي ما زال يعتبر “عدم القابلية على الفحص العلمي” مساويا لكونه خاطئا وشعوذة. ولا يكتفي السكران باستعراض جهله، بل يخلطه بسوء نية، فيبتر النص عن سياقه ويحاكمه بمعزل عن تتمته التي تبين إلى أي مدى يمكن أن يذهب للكذب وتزييف الحقائق.
٢- يقول السكران:
ويرى النصراني بشارة أن مقاومة الخطاب الشرعي في السعودية للقومية البائدة ليس في حقيقه دفاعاً عن الدين، بل دفاع عن التقاليد! حيث يقول بشارة:
(في السعودية اتخذ الدفاع عن النفط غطاء الدفاع عن الإيمان ضد الإلحاد والشيوعية، والدفاع عن التقاليد ضد الحداثة القومية)[د.عزمي بشارة، أن تكون عربياً في أيامنا، ص82].
والله إنني أرثي له وأنا أراه مازال يتعلق بأطلال القومية التي ركلها التاريخ!
هذا الاقتباس يدخل ضمن فصل بعنوان (بعد جورجيا وجورج: عودة إلى الحرب الباردة، أم واقع دولي جديد ومختلف؟) يحاول فيه عزمي بشارة قراءة حدث اقتحام القوات الروسية لدولة جورجيا ودلالاته السياسية. ملخص أطروحة عزمي أن أمريكا تقوم بتوظيف خطاب حقوق الإنسان والقانون الدولي من أجل إضعاف الدولة واستقلالها، حتى تتمكن من السيطرة عليها واختراقها عبر أدواتها ووسائل هيمنتها المتنوعة، وما تبع هذا الخطاب من انخداع العرب بامكانية حل القضية الفلسطينية عبر عملية السلام. وفي سياق توضيحه للعقيدة السياسية التي تستولي على نخب اليمين واليسار في أمريكا وعن دورها الرسالي في التاريخ، وعن قدرتها على توظيف واستغلال جميع القيم الممكنة من أجل تحقيق مصالحها، أورد إثباتا على كلامه هو الطرق التي تحايلت فيها أمريكا قديما في الشرق الأوسط من أجل الحفاظ على النفط، يقول عزمي:
(وهنا من المفيد أن نسترجع اللحظة التاريخية التي سمي فيها لأول مرة تأمين السيطرة على النفط في ما يسمى (الشرق الأوسط) دفاعا عن الحرية. لم يحصل ذلك في السعودية التي يعود تاريخ احتكار الولايات المتحدة النفط فيها إلى الثلاثينيات، في شراكة لم تتزعزع طوّرت الولايات المتحدة إزائها حساسية فائقة ضد كل من يتدخل فيها إن كان حليفا أو خصما… ففي السعودية اتخذ الدفاع عن النفط غطاء الدفاع عن الإيمان ضد الإلحاد والشيوعية، والدفاع عن التقاليد ضد الحداثة القومية. أما مقولة الحرية، فقد وظفت ضد الشيوعية من قبل إدارة آيزنهاور لتبرير دعمها لبريطانيا في تخطيط الانقلاب على الزعيم الوطني الإيراني المتنوّر نسبيا محمد مصدّق، حينما خافت بريطانيا من التأميم. وقد كوفئت أمريكا على جهودها في دعم الحرية ضد الشيوعية وإعادة الشاه، بـ٤٠ بالمئة من أسهم مجمّع الشركات الذي أدار التنقيب والتكرير في إيران كحصة الشركة البريطانية-الإيرانية التي احتكرت النفط حتى ذلك الحين.) (ويمكن مراجعة الفصل كاملا وتحميل الكتاب على هذا الرابط )
وأعتقد أنه لا توجد أي حاجة لتوضيح حجم التدليس والتزييف الذي قام به السكران عند اقتلاعه الكلام من سياقه ليوظفه من أجل تشويه شخصية عزمي بشارة. بل إن حالة السكران ستصبح مثيرة للشفقة عندما نتذكر أنه كان يقول بنفس الرأي سابقا في مقالته- التي كتبها تحت اسم مستعار في المنتديات- (دور السلفية في ترسيخ الهيمنة الأمريكية)، حيث يقول بالحرف الواحد: (أن هذه الفرقة “السلفية المعاصرة” هي أحد أهم عوامل تكريس الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وانفراد البيت الأبيض بتسيير دفة الأمور، وتعميق مبررات الوجود الأمريكي، وتغييب “الرأي العام” عن مقاومة هذا الاستعمار شبه الصريح.) وأن هذا (لا يخفى على منصف صادق أن السلفيين في كل مكان يضخمون القضايا الرمزية ويقزمون القضايا الكبرى). ويؤكد السكران على أن السلفية المعاصرة (حركة خطيرة تجر الشباب الى الاشتغال بما لايؤثر على مصالح الاستعمار الأمريكي من حيث لاتعلم. حيث تحاول تخفيف الاهتمام بالقوى السياسية صاحبة الأمر والنهي والسيادة، وتحويل المعركة الى الصحافيين والمثقفين المعزولين أصلاً عن القرار السياسي والشعبية العامة. بل بلغ الحال ببعض السلفيين الى التبجح في المجالس بعلاقاتهم الخاصة مع الأمراء والولاة، وأصبحت نغمة مألوفة ان ترى الواحد منهم يقول (قال لي الأمير فلان كذا .. وقال الأمير فلان كذا ..) يقولها بكل استرخاء وكأن شيئاً لم يكن!). أظن أن هذا كافي لتوضيح حقيقة هذا الحرباء الذي لا يجد أمرا أسهل من تغيير لونه بحسب مصالحه.
وأخيرا،
فبعد أن بينا حجم التزييف والنزع عن السياق والكذب والمبالغة التي مارسها السكران من أجل إدانة عزمي بشارة، نستطيع أن نلاحظ أنه لا يختلف أبدا عن نظام بشار الأسد الذي استغل كلمة عابرة لعزمي من أجل أن يبني عليها أوهاما وأكاذيب كبيرة من أجل أن يسقطه. فالنظام البعثي والتنظيم السروري الذي يحامي عنه السكران يشتركان في كونها يتبنيا (وعيا شموليا) وصفه عزمي أبلغ وصف في العبارة الافتتاحية. وأعتقد أنه واضح جدا أن الأمر لا يتعلق بعزمي، كما أنه لم يتعلق الأمر سابقا بعدنان ابراهيم ولا بحاكم المطيري ولا بسلمان العودة ولا بعبدالله الحامد، بل بما يمثلونه هؤلاء لدى شريحة واسعة من السعوديين الأمر الذي يزعج السكران وباقي الجوقة التي معه، وبدلا من أن يعيدوا بناء خطابهم المتهالك، لم يجدوا إلا نزعة الميت الأخيرة، أي توزيع الاتهامات واختراع المؤامرات والكذب ثم الكذب ثم الكذب.