ثالوث المشاكل السياسية:
كمواطنون عرب، نحن نواجه ثلاث مشاكل أساسية وجوهرية:
1-مشكلة في الهوية: وهذه المشكلة لها بعدين: بعد خارجي وبعد داخلي. أما البعد الخارجي فما نشاهده من خطاب عنصري وجوهراني ضد العرب والمسلمين بشكل عام (أنهم وحشيين، ظلاميين، شهوانيين، ذكوريين…إلخ). وأما البعد الداخلي وهو أن دولهم تتجاهل قضاياهم الكبرى كأمة عربية (فلسطين، سوريا، العراق، الصومال، النفط، الوجود العسكري الغربي، التبعية السياسية، الفقر، البطالة، التخلف…إلخ)، أي أن الدول التي ينتمون إليها لا تتبنى قضاياهم.
ومن خلال هذين البعدين تنشأ مشاكل وأزمات كثيرة مرتبطة بموضوع الهوية، آخرها أزمة الفلم المسيء للرسول، فباعتقادي لا يمكن فهم التفاعلات التي انتجها هذا الفلم إلا داخل سياق أزمة الهوية هذه.
2- مشكلة في الحقوق السياسية: فالعرب ليسوا مواطنين في دولهم، أي أن حقوق المواطنة الأساسية (حق التصويت والترشح لمناصب السلطة والحكم) محرومين منها (ما عدا دول الربيع العربي).
3- مشكلة في الحقوق الفردية: وهي حزمة الحقوق الأساسية التي بدونها تصبح كرامة الإنسان منتهكة: حرية التعبير، والتعبد، والتجمع، والتعليم، وعدم الجوع، والسكن…إلخ.
هذا باختصار هي ثالوث المشاكل السياسية الكبرى في العالم العربي، ومنها تنشأ كافة المشاكل السياسية الأخرى، ويمكن اختصارها بجملة واحدة: أن العرب لا يعيشون في دول تحرس هويتهم وتتبنى قضاياهم وتمنحهم حقوقهم السياسية والفردية.
فشل الصحوة الإسلامية
منذ الثمانينات الميلادية وحتى منتصف التسعينات كان الخطاب المهيمن في السعودية هو خطاب الصحوة الإسلامية، وما زال هذا الخطاب له حضور قوي ولكنه ليس بنفس حجم الهيمنة السابقة.
كيف تعاملت الصحوة الإسلامية مع هذه المشاكل الثلاثة؟
الجواب واضح، فخطاب الصحوة- أو التيار الرئيسي فيها على الأقل- كان مركزا على مشكلة الهوية بشكل رئيسي، أما مسألة الحقوق السياسية فقد كان متجاهلا لها طوال الوقت ما عدا فترة قصيرة (ما بعد حرب الخليج). بالنسبة للحقوق الفردية، فلم يكن خطاب الصحوة فيها متجاهلا فقط، بل كان معاديا، أي كان يمارس أدوار ايجابية لقمع هذه الحقوق.
وبسبب هذا التعاطي الناقص لهذه المشاكل، والتركيز على جانب واحد وتضخيمه بشكل كبير لتعويض النقص في الجوانب الأخرى، وإلى جانب أسباب أخرى، بدأ يتشكل منذ منتصف التسعينات تيار جديد حاول يقدم صيغة جديدة للتعامل مع هذه المشاكل الثلاثة، وهذا التيار هو ما تصالحنا على تسميته “التيار الليبرالي”.
مشكلة اللبراليين
ما هي الصيغة التي يقترحها اللبرالي للتعامل مع هذه المشاكل الثلاثة؟ يمكن القول أن ما يقدمه هو بالضبط “عكس” ما قدمته الصحوة، أي التركيز على الحقوق الفردية، وتجاهل الحقوق السياسية، ومعاداة الهوية. لنفصل الكلام أكثر:
1- في موضوع الحقوق الفردية نجد اللبراليين ناشطين جدا، وأقصد فيه حق التعبير، وحقوق المرأة بشكل عام وغيرها.
2- على عكس موقفهم المتحمس للحقوق الفردية، نجد أن موقفهم في موضوع الحقوق السياسية يترواح بين الحياد والتخوف، وسنشرح سبب التخوف بعد قليل.
3- لإن كان موقفهم من الحقوق السياسية شبه محايد، فإن موقفهم من مشكلة الهوية موقف عدائي. والسبب في ذلك هو أنهم ينطلقون من المسلمة التالية: أن الثقافة الغربية ثقافة متفوقة على كل الثقافات، وأن أي ثقافة سواها هي أقل منها بالضرورة هذا إن لم تكن ثقاف منحطة وظلامية ومتخلفة، وهذه المسلمة هي نفسها التي ينطلق منها كل خطاب عنصري واستشراقي غربي.
ما هي المشكلة مع هذه المسلمة؟
أ- أنها تتبنى صورة متخيلة عن “الغرب”، وهذه الصورة تقدم هذا “الغرب” باعتبار أنه “علماني،لبرالي، ديمقراطي، انساني…إلخ”. فهذه الصورة متخيلة لأنه لا يوجد شيء واحد متجانس ومتماثل اسمه “الغرب”. ولو أخذنا الولايات المتحدة كمثال على دولة غربية، فإننا بقدر ما نجد في تاريخها من جوانب مشرقة (حركة الحقوق المدنية، حزب الخضر، الدستور الامريكي، حركة احتلوا وول ستريت…) فإننا أيضا سنجد جوانب تقليدية وسوداوية (العبودية الاستغلالية القهرية، العنصرية، الرأسمالية المتوحشة، الامبريالية، حزب الشاي..)، وكما أنه يوجد فيها نيويورك وسان فرانسيسكو حيث التنوع والحرية، فإن فيها الولايات الوسطى والجنوبية حيث الآمش والمسيحية المتشددة والأحادية والتعصب والعنصرية.
هذا غير أن أميركا ليست كندا والشمال الامريكي ليس أوروبا، وهذه ليست استراليا، ولا يمكن جمع الجميع في كيان واحد كلي اسمه “الغرب” نخلع عليه صفات واحدة سواء سلبية إو إيجابية.
وحتى الفلسفة “الغربية” ليست شيئا واحدا منحاز لقيم الحرية والعدالة والتنويركما يتوهم اللبراليين السعوديين، بل هي مجموعة ضخمة من التيارات والاتجاهات يمكن من خلالها تبرير الاعلان العالمي لحقوق الانسان، في نفس الوقت الذي يمكن من خلالها تبرير الإبادة الجماعية على يد هتلر.
ب- مثل تبنيها لصورة متخيلة عن الغرب، فهي أيضا تتبنى صورة متخيلة عن العرب. وهذه الصورة المتخيلة عن العرب تمت صناعتها وتصديرها من الخطاب الاستشراقي الاستعلائي العنصري الغربي ويقوم اللبرالي السعودي باستهلاكه بشكل أعمى دون نقد أو تمحيص. هذه الصورة المتخيلة عن العرب “أنهم متوحشين، ذكوريين، شهوانيين، متعصبين…إلخ”. وهذه الصورة غير صحيحة لنفس السبب السابق وهو أننا لا نستطيع أن نختزل مجموعة كبيرة من البشر في صفات واحدة ومحددة، سواء كانت ايجابية أو سلبية. فالذي يقول عن العرب أنهم متعصبين يقع في نفس الخطأ الذي يقع فيه من يقول أن العرب ملائكة.
ج- من خلال تبنيها لمسلمة “سمو الثقافة الغربية على غيرها” نجد أن في اللبراليين السعوديين برود عجيب اتجاه القضايا المرتبطة بالهوية: كاحتلال البلدان العربية، كموقفهم من اسرائيل، كتعاملهم مع الإساءات والعنصرية المتتابعة اتجاه العرب والمسلمين.
وهذه الصيغة اللبرالية للتعامل مع المشكلات الثلاثة الأساسية، هي التي انتهت ببعض اللبراليين السعوديين- بل اللبراليين العرب- لأن يقفوا ضد الربيع العربي وينحازوا للدول التي تنتهك الحقوق السياسية ولا تنحاز لقضايا الأمة.
ووقوفهم ضد الربيع العربي نتيجة منطقية للصيغة التي تبنوها للتعامل مع تلك المشكلات الاساسية. فانطلاقا من عدائهم للهوية، فهم يعادون كل من يدافع عنها، وبالتالي يعادون التيارات الإسلامية.
ومن هذا المنطلق يكون موقفهم من الحقوق السياسية متخوفا، وذلك انطلاقا من تخوفهم أن تعميم حق الترشح والتصويت على الناس قد يؤدي إلى وصول الإسلاميين للحكم، ومن هذا المنطلق هم مترددون في موقفهم من الديمقراطية، أو يضعون لها شروطا صعبة. وهذا كله من أجل حماية الحقوق الفردية المنتهكة أصلا، والتي يسعون لرفع انتهاكها عبر توسل الدول التي تقوم بانتهاكها، أي أنه ينتهي بهم الأمر لأن يكونوا متحالفين مع الدول التي تتسبب في هذه المشاكل الأساسية الثلاثة.
ولهذا السبب أنا أرفض الخطاب اللبرالي، ليس لأني ضد الحقوق الفردية، ولكن لأني أرفض تجاهل الحقوق السياسية ومعاداة الهوية وقضايا الأمة العربية، وهو نفس السبب الذي يجعلني رفضت مسبقا خطاب الصحوة، ليس لأني ضد العروبة أو الإسلام، ولكن لأني ضد تهميش الحقوق السياسية ومعاداة الحقوق الفردية.
نحو خطاب عربي ديمقراطي حقوقي
ما الحل إذن؟
كيف يمكن أن نخرج من المعضلات المتواجدة في هذه الخطابات؟
باعتقادي أن الحل يكمن في تبني خطاب عربي ديمقراطي حقوقي:
1- فهو خطاب عربي، أي أنه يطالب الدولة العربية بتبني قضايا الأمة العربية والدفاع عنها ضد الأطماع الاستعمارية والاحتلالات الاجنبية والاساءات العنصرية، يطالب الدول العربية ألا تقف متفرجة أمام قتل السوريين ولا يشمئز من السوريين لأنهم يهتفون بالتكبير ويقولون “يا الله ما النا غيرك”، ولا يفرقون بين عربي شيعي أو سني أو مسيحي أو علوي. خطاب لا يتنكر لتراثه الحضاري الاسلامي الضخم، ولا يتعامل معه بعيون استشراقية في نفس الوقت الذي لا يقوم بتقديسه بحيث لا يسائله ولا ينتقده ويعيد صياغته. وبلغة محمد عابد الجابري، خطاب ينتقل بالعرب من كونهم “كائنات تراثية”، إلى “كائنات عربية لها تراث”.
2- وهو خطاب ديمقراطي، بمعنى أنه يعتبر الاستبداد أبشع الأنظمة السياسية وأكثرها ظلما، سواء كان استبداد فرد، أو استبداد سلالة، أو استبداد حزب، أو استبداد جماعة دينية. هو ضد الاستبداد لأنه ينحاز إلى احترام حق الجميع باختلاف أفكارهم وأديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم في أن يختاروا من يحكمهم ويشاركوا في عملية الحكم، وحقهم في التجمع في منظمات واحزاب ونشر أفكارهم وبرامجهم بشكل سلمي.
3- وهو خطاب حقوقي لأنه يعتبر العيش بلا كرامة أبشع أنواع الحياة. والحقوق هنا هي كل ما يحفظ كرامة الإنسان، وليست فقط الحقوق السلبية التي تطالب الاخرين بعدم التدخل في الخيارات الشخصية، بل أيضا الحقوق الإيجابية من غذاء ولباس وسكن وتوفير الحد الادنى من سد الاحتياجات، وهي من هذا المنطلق تقف في مواجهة كل دعوة رأسمالية متوحشة.
طيب شلون تبي تقنع العقل الصحوي وخطابهم الغبي بسالفة الحقوق الفردية قعدت مع بعض الأشخاص اللي يرفضون إن الشيعي يكون له حسينية ويرفض إن الدولة توفر لهم كتب طائفتهم ويقول يجب إنهم ما يدخلون لا برلمان يعني يعتبر الشيعي بديرته مواطن من الدرجة الثانية أنا أكره الليبراليين اللي يتجاهلون العراق وفلسطين واللي يسفلون بتاريخ العرب مثل البليهي بس خطاب الصحوة هو السائد وشلون تبي تتعامل معهم ذولا ؟ الموضوع معقد جداً دائماً يجي قدامي مثال بريطانيا عندهم ترسخت مبادئ الحقوق الفردية قبل ما تجيهم الديموقراطية نفسه
اختلف معك عزيزي سلطان حول برود الليبراليين حول قضايا الإحتلال لفلسطين والتعدي على البلدان العربية وأيضاً نقطة مشاركتهم للغرب في الصورة المتخيلة عن العرب لكن أكثر جلداً للذات من نظيرهم الصحوي المتطرف في نظرته للغرب وتفخيمه للعرب والمسلمين .. مشكلة الليبراليين في مسألة الحقوق السياسية تتمثل في مفهوم الديموقراطية في المنظور العربي وهما ما نراه ماثلاً اليوم بعد الربيع العربي، فالديموقراطية أكبر من مسألة صندوق انتخابات واقتراع لإختيار رئيس وممثلين سياسين عن الشعب بل هي منظومة متكاملة تقوم أساساً على مبدأ الحرية التي منحت هذا الحق بالإنتخاب لكنها تمنح قبل ذلك حرية الرأي والتعبد التي يحاربها الإسلاميون بضراوة ويحصرونها بأنفسهم، فمن المستحيل أن تجد إسلامياً يتبى حرية التعبير وإلا لما وجدنا حمزة كشغري وتركي الحمد خلف القضبان وأمثالهم في العالم العربي كثر ممن دفعوا ثمن الكلمة بينما نجد في المقابل قدرة عجيبة لهؤلاء على التسامح مع قضايا اختلاس من قضاة واغتصاب وقتل أطفال والقذف والتعدي ما دام مرتكبها ينتمي لتيارهم! ربما ترى كلامي مجرد اسقاط على التيار الصحوي السعودي لكن لو نظرنا لمصر التي سيطر عليها الإسلاميون من خلال الديموقراطية ثم استغلوا مقاعد السلطة لتكميم أفواه من يعارضهم وهاهو وجدي غنيم الذي ناح في بقاع الدنيا أيام مبارك على الظلم والقهر يطالب بسحق المتظاهرين اليوم فقط لأن تياره هو الحاكم الآن! سحقاً لهكذا ديموقراطية لا ترى إلا نفسها
المسألة ليست لأنه من تيارهم من عدمه
المسألة هي من صلب مبادئهم وعقيدتهم أن الكلام فيه ما هو كفري يجب فيه حد الردة، وهكذا.
لذا تجد الكثير منهم لو اعتديت عليه في نفسه او ماله لربما عفا عنك عملا بمبدأ العفو عن الناس، ثم لو قلت كلمة كفرية لطالب بإقامة حد الردة عليك
المسألة اتساق مع المبادئ ليست تناقض كما تتوهم
ولازال السياسي يضرب بعضهم ببعض.