يلاحظ كثيرون بأن الفكر القومي عاد من جديد ليفرض نفسه على النقاش العام في العالم العربي، وقد انقسم حولهُ الناس بين مؤيد ومعارض، وبين من لازال في طور التأمل فيه. يُبشر بعضهم بانتهاء القومية كنموذج، في حين أن الواقع الحالي يشير لحدوث العكس تماماً، فنحن في حالة انفجار كبير للهويات التي تسعى بشكل حثيث لحصولها على اعتراف العالم كأمم قومية وإيجاد كيان سياسي يحقق مصالحها.
نستطيع الجزم بأن الاهتمام بالقومية في تعاظم على مستوى العالم، وهو نقاش هوياتي بامتياز، نابع من سؤال من (نحن)؟، وما هي الأمة؟، وكيف تتشكل الأمم؟. القومية من الظواهر المثيرة، بل هي من أهم ظواهر العصر الحديث الاجتماعية والسياسية بحسب المفكر الليبرالي بشعياهو برلين، وهي شكلت مادة مهمة للبحث والدراسة خصوصاً في العقدين المنصرمين، وقد يكون العالم العربي أقلها نقاشاً واهتماماً بها نتيجة للصراعات المذهبية و للظروف الحالية التي تمر بها الأمة العربية و المتمثلة في فشل السلطات الحالية الذريع في حكم وإدارة الدولة الوطنية (القُطرية).
إذاً الظاهرة القومية في حالة انبعاث وليست إلى إنتهاء كما أشار الأستاذ عبدالله حميد الدين في مقاله المنشور بعنوان ” خواطر في تفكيك بعض فرضيات القومية العربية” والذي نحن بصدد مناقشته في هذه المقالة، بل إن كثيراً من الدراسات اليوم تربط بين القومية والتنمية في تجاوز تام لمجرد ربطها بموضوعين ساهما في ظهورها الأول: الوحدة والتماسك الاجتماعي، ومقاومة الاستعمار. في البداية وقبل الحديث عن القومية ووظيفتها لابد من التأكيد على وظيفة الدولة: فالدولة في تجليها الأمثل هي إطار تنظيمي ينظم علاقة الجماعات المحلية ويضمن مصالحها داخل حدودها وكذلك العلاقة بين الجماعة الوطنية و الجماعات الآخرى المجاورة لها. لذا فإن السؤال الذي يمكن أن يُربط بموضوع القومية هو من هي هذه الجماعة القومية؟ هل هي الجماعة العرقية أم الجماعة اللغوية أم الإثنية أم العنصرية، ومن ثم دراسة الرابطة الأمثل لتمثيل مصالحها ومستقبلها. وذلك لأن تحديد من هي الجماعة هو من يعطي للحدود الجغرافية معنى، وهو كذلك من يحدد طبيعة علاقة الأفراد داخل حدود هذه الدولة، ذلك لأن الدولة هي ذروة التنظيم الاجتماعي. Continue reading