يتجدد النقاش حول التدخل الخارجي مع كل تلويح غربي بضربة على بلد عربي، وأزعم هنا أن المعارضين لأنواع التدخلات والضربات العسكرية الخارجية على البلدان العربية ينطلقون من مبادئ ومعايير واضحة لرفض هذا التدخل، لأنهم يرفضون ديمقراطية البوارج ويتمسكون بالديمقراطية كأجندة وطنية ونتاج لحراك مجتمعي داخلي ويرون أن لا ديمقراطية دون سيادة واستقلال وطني، ولأنهم لا يقبلون بانتهاك سيادة البلدان العربية والعبث بمقدراتها خدمة لمصالح العدو الإسرائيلي.
وأزعم أيضاً أن معايير المؤيدين للتدخل الخارجي غير واضحة، ويعتريها التناقض، ويمكن مناقشة حججهم للوصول إلى استنتاجات وخلاصات حول مآلات الحجج المستخدمة لدعم التدخل الخارجي.
التدخل الإنساني
تبدو الحجة الأبرز المتداولة في أوساط المؤيدين أن التدخل العسكري الغربي سيوقف شلالات الدم، وأن تأييده ينبع من شعور إنساني، وأن الأولوية السابقة على كل شيء هي وقف الدم بضرب النظام السوري، وهكذا يظهر المؤيدون للتدخل وكأنهم أكثر إنسانية وحرصاً على الدماء، وتبدو معارضتهم في هذا وكأنها استخفاف بالدماء المسالة في سوريا، لكن هذا غير دقيق أبداً، ويمكن الرد على هذه الحجة من أربعة أوجه:
الأول: أن التدخل “الإنساني” خرافة، فكل تدخل هو عمل سياسي له أهداف ومطامح سياسية، ومهما تم تغليفه بشعارات إنسانية فإن هذا لا يغير من جوهره السياسي، ذلك أن الجهات المتدخلة ليست جمعيات خيرية، وهي لا تقوم بالتدخل إلا خدمة لمصالحها، والتذكير بهذه البديهية ضروري لإسقاط فكرة أن التدخل إنساني، وللعودة لنقاش المسألة من باب المصالح السياسية، وهو ما سيأتي تفصيله لاحقاً.
الثاني: أن التعامل مع الثورة كمأساة إنسانية يغفل أهمية التضحية في سبيل التحرر، ويستبدلها بحالة مشابهة لحالة بركان أو زلزال، تحتاج إلى مساعدات وإغاثة، وإذا كان المطلوب هو وقف القتل إنسانياً، فيمكن أن ينتهي العمل الثوري فينتهي القتل، وإذا كان هذا الخيار مرفوضاً، فالحجة الإنسانية تسقط، إذ إن التمسك بالخيار الثوري ضد النظام هو تعبير عن خيار سياسي لا علاقة له بالمأساة الإنسانية.
الثالث: أن التدخل “الإنساني” يزيد عدد القتلى ولا يقلل منه، وهو ما يتم الحديث عنه في ليبيا على سبيل المثال، فالطائرات التي تحلق على علو مرتفع تضرب وتوقع قتلى، ومن ناحية إنسانية لابد من الوقوف ضد هذه الجرائم بحق الناس، كما أن كل أطراف الصراع الأهلي تزيد في القتل، وبالتالي يصبح طرح التدخل الخارجي دعوةً إلى مزيد من الدموية، ومن يعتقد أن الغرب دقيق جداً في التصويب واختيار الأهداف فعليه مراجعة كل الحروب التي خاضها الغرب، على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة، ليتأكد أن الأمر بالفعل يزيد عدد الضحايا.
الرابع: أنه لا يوجد معيار واضح للمطالبة بالتدخل لأسباب إنسانية، فلا نعرف كم عدد الضحايا الذين يجب أن يسقطوا لتكون المطالبة بالتدخل الخارجي مشروعة، وفوق أن هذا يجعل أرواح البشر مجرد أعداد بما يفرغ الشعور الإنساني من مضمونه، فإن الحديث عن التدخل لأن هناك ضحايا لقتل وحشي لا يستند لمعايير واضحة، فمثلاً قُتل مئات الأشخاص في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في مصر خلال ساعات، فلماذا لا يبيح هذا الأمر الفظيع والوحشي الدعوة لتدخل خارجي؟، ولماذا لا يبيح قتل المتظاهرين السلميين في اليمن أثناء ثورة 2011 استدعاء تدخل خارجي؟.
لا يتوقف الأمر على أعداد القتلى، بل يتعداه إلى ما نسميه “استفظاع الجريمة”، فبعيداً عن الموقف الرافض لكل جريمة أياً كان شكلها وأسلوبها، يجنح مؤيدو التدخل الخارجي إلى الحديث عن فظاعة جرائم النظام السوري كمبرر للتدخل الخارجي، وغير أن هذا يميز بين جرائم وأخرى اعتماداً على أسلوبها أو فظاعتها بما يسقط الحجة الإنسانية أيضاً، فإن هذا الحديث تقديري ومزاجي لا يستند لمعايير، فلماذا يستفظع البعض القتل بالسكاكين مثلاً ولا يستفظعون القتل بالقصف أو بالسيارات المفخخة؟، وهذا يشابه تماماً السؤال الموجه للإدارة الأمريكية: ما الذي يجعل التدخل مطروحاً بسبب القتل بالكيماوي ولم يجعله مطروحاً بسبب القتل بوسائل أخرى طوال عامين ونصف؟.هذا حديث عن وسائل القتل وفظاعتها لا عن القتل والجريمة، وهو يسقط كل حجة إنسانية.
هذا النقاش يؤكد أن الحجة الإنسانية عند كثيرين – رغم صدق المشاعر وحسن النوايا – هي ستار لموقف سياسي يوظف “فظاعة الجرائم” لتحقيق هدف التخلص من النظام، وهو ما يجعلنا نأخذ الأمور إلى حيث يجب أن تؤخذ، أي إلى النقاش السياسي حول التدخل الخارجي ومزاعم التقاء المصالح.
التقاء المصالح
التذرع بالتقاء المصالح هو الحجة الأكثر عملية في النقاش حول التدخل الخارجي، فهي تذهب مباشرة إلى لب الموضوع، ولكنها الحجة الأكثر هشاشة والأقل فاعلية في نطاق مؤيدي التدخل الخارجي، ويمكن استعراض هشاشتها بالنقاط التالية:
• التقاء المصالح يكون بين أنداد وأطراف متكافئة، وفي حالة غياب الندية تكون مصلحة الطرف الأقوى هي المهيمنة، والطرف الأضعف يذوب في مصلحة الأقوى، وهذا ما يحدث في حالة تدخل خارجي.
• التقاء المصالح يفترض انسجاماً بين مصالح طرفين، وفي حالة التدخل الخارجي في سوريا هناك المصلحة الأميركية المتعلقة بأمن إسرائيل والتي يجري التصريح بها علناً في سياق الحديث عن التدخل من الرئيس الأميركي، فهل مصالحنا كعرب تلتقي مع حماية أمن إسرائيل التي تحتل أرضنا وتشرد شعبنا العربي في فلسطين؟.
إن الحديث عن أن التقاء المصالح لا يعني التقاء الأهداف، وأن الالتقاء مؤقت ومحدد بإسقاط النظام مجرد حديث يخفف المعنى ولا يغير شيئاً منه، فالأهداف هي ترجمة للمصالح، والأميركيون لا يريدون إسقاط النظام السوري فقط، بل التأكد من أن تكون المنظومة الجديدة في سوريا حريصة على أمن إسرائيل، إلا إذا كان من يعتقدون بالتقاء المصالح يظنون أن الغرب جمعية خيرية هدفها إسقاط النظام فقط دون ضمان مصالحها في المنطقة التي هي مصالح إسرائيل.
• حجج التقاء المصالح ذُكرت سابقاً من قِبل المعارضة العراقية التي باركت الغزو الأميركي عام 2003 والتحقت بحكومة الاحتلال، وتم الرد عليها بنفس الطريقة، وهو ما يعني أن من يتحدثون اليوم عن التقاء مصالح يكررون النموذج العراقي، غير أن البعض يصر على توضيح الفارق بين النموذجين العراقي والسوري، ويستخدم حجتين أساسيتين:
• الحجة الأولى أن في العراق احتلالاً على الأرض، بينما في سوريا كما في ليبيا ضربة جوية فقط، ومن يقول هذا يغفل أن عدم وجود احتلال على الأرض والاكتفاء بضربة جوية يحصل لتقليل كلفة التدخل المادية والبشرية لا أكثر، كما أن من يردد حجة عدم وجود احتلال على الأرض يظن أن الاحتلال هدف بحد ذاته، فيما هو وسيلة (والعمل العسكري عموماً وسيلة) لتحقيق أهداف ومصالح متعلقة بالهيمنة على الموارد والحصول على امتيازات اقتصادية والتحكم بالقرار السياسي لهذه الدولة، فالهدف هنا ليس ضم هذا البلد لـ”أراضي الامبراطورية” وإنما الحصول على مغانم من التدخل بأقل كلفة، وهذا منهج الاستعمار الحديث، حيث يقوم بعض أبناء البلد نفسه بالتعاون مع المستعمِر في هذا الإطار، ما يعني أن الاختلاف بين الاحتلال والضربة الجوية لا قيمة كبيرة له في محصلة الأهداف الاستراتيجية من التدخل.
• الحجة الثانية تقول أن هناك ثورة في سوريا، ولم تكن هناك ثورة في العراق وقت التدخل، وهذا الحديث يغفل انتفاضة عام 1991 في العراق التي اندلعت في 14 محافظة من أصل 18 وراح ضحيتها عشرات الآلاف من العراقيين على يد نظام صدام، فهل تسقط الثورة وتضحيات الشهداء بالتقادم؟. لقد كانت المعارضة العراقية تستذكر أيضاً هذه الانتفاضة في تبرير استعانتها بالتدخل الخارجي الأميركي عام 2003، وإخماد الثورة لا يعني أن المشكلة مع النظام انتهت، وهو ما يطرح السؤال حول الفارق الجوهري في استدعاء التدخل الخارجي في الحالتين لمن يؤيدون التدخل في سوريا.
• يتم تسويق النموذج الليبي كنموذج مثالي يمكن تطبيقه في سوريا بعيداً عن إشكالات النموذج العراقي، وما يستحق الاحتفال في ليبيا بالنسبة لمسوقي نموذجها هو وجود صندوق اقتراع دون وجود احتلال على الأرض، لكن من يسوقون النموذج الليبي تغلب عليهم حالة تفكير رغبوي أكثر من قراءة واقعية لما يجري في ليبيا، فقد تدخل الناتو في ليبيا لتأمين مصالحه الاقتصادية، بالإضافة لوجود نخبة في الحكم يهيمن عليها الفرنسيون والأوروبيون ممثلة في رئيس الوزراء الحالي ومجموعته، كما أن الوضع الأمني هناك شديد الاضطراب، فوجود مجموعة من المليشيات المتحكمة بالمشهد عزز الفوضى، وزادت انتهاكات حقوق الإنسان والاغتيالات والتفجيرات والتناقضات الجهوية والعشائرية، كما أن هذه المليشيات أقوى من الدولة، فيمكنها محاصرة الوزارات واقتحام البرلمان وفرض شروطها على الحكومة، وما دامت الدولة لا تحتكر العنف فهي أضعف من أن تكون نموذجاً لتحقيق أي نجاح على المستوى الديمقراطي، لكن البعض لا يلحظ أن صندوق اقتراع دون استقلال وطني ودون أن يأمن الفرد على نفسه وخياراته السياسية وسط تحكم الميليشيات بالمشهد لا يعدو عن كونه حالة كرنفالية بلا قيمة عملية، وهذا يشابه النموذج العراقي الذي يضعف فيه الأمن وتبرز فيه الطوائف وتغيب فيه ديمقراطية حقيقية ولا يحضر سوى صندوق اقتراع بلا قيمة، وإذا كان الاحتفال بصندوق الاقتراع هو الغاية فالأولى بالمحتفلين بالنموذج الليبي أن يسعدوا بالنموذج العراقي السيء أيضاً.
• تناقض المصالح وعدم التقائها مع التدخل الغربي في سوريا لا يتوقف على تناقض مصالحنا كعرب مع إسرائيل، ولا على تناقض التدخل مع مصلحتنا في إحداث تحول ديمقراطي في سوريا لا يمكن أن يكون حقيقياً دون سيادة واستقلال وطني يصبح فيه لصوت المواطن أثر في قرارات بلاده الداخلية والخارجية، لكنه يتعدى ذلك إلى التأكيد على أن القوى الغربية لا تنظر لنا إلا كطوائف وعشائر، وبالتالي هي لا تسعى إلا لنموذج شبيه بالنموذج العراقي الطائفي، أي إيجاد عملية سياسية بين طوائف بعيداً عن أي نموذج ديمقراطي، فلم تتغير رؤية الغرب لنا، من رسائل “المسز بيل” في العشرينات من القرن المنصرم حول الطرق الأنجع للتعامل مع طوائف العراق، إلى النظام الطائفي الذي صممه بول بريمر بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
يمكن القول بعد كل هذا أنه لا مصلحة لنا كعرب في التدخل الخارجي الغربي في أي بلد عربي، لا في سوريا ولا ليبيا ولا العراق، وأن الحديث عن التقاء مصالح يبدو متهافتاً عند إجراء أي فحص سريع له.
مآلات حجج التدخل
بعد هذا العرض والنقاش يمكن تقسيم المآلات النهائية لأغلب دوافع وحجج دعم التدخل الخارجي إلى ثلاث اتجاهات:
الأول: الاتجاه النيوليبرالي (ويدخل فيه بعض الإسلاميين أيضاً ممن باتوا يتبنون بعض الأطروحات النيوليبرالية) الذي يؤيد كل تدخل غربي على اعتبار أن الاستعمار يحررنا من الاستبداد ويمكنه أيضاً أن يحرك عجلة التطور عندنا ويساعدنا في إقامة ديمقراطيات، وهؤلاء أكثر الناس اتساقاً مع موقفهم الداعم للتدخل الخارجي، لكنهم أيضاً يعملون بوضوح على ركوب الموجة الغربية والتناقض مع مصالح الأمة العربية باسم الحرية، ويفهمون التحرر والديمقراطية بشكل منقوص تظهر مآلاته فيما يحدث في العراق مثلاً، وهم لا يضعون للاستقلال الوطني قيمة في تصورهم للحرية والديمقراطية.
الثاني: الاتجاه الطائفي الذي يعرّف نفسه مذهبياً ويبني مصالحه على أساس مذهبي، فهو يقبل بالتدخل الخارجي إن كان في مصلحة الطائفة، ويرفضه حين يكون ضدها، وهذا ما شهدناه من تبادل مواقع بين الطائفيين السنة والشيعة في حالتي العراق وسوريا، حيث يُجمع الطائفيون من الطرفين على تهميش مصالح الأمة العربية ووضعها جانباً، وتعريف مصالحهم في الإطار المذهبي، بما يبرر الاستعانة بأعداء الأمة.
الثالث: اتجاهٌ يسعى للخلاص من نظام الأسد بأي ثمن رغبةً في الثأر والانتقام، ويستخدم في هذا خليطاً من الحجج الإنسانية والسياسية التي تمت مناقشتها، فالنتيجة النهائية لتهافت حجج هذا الاتجاه هي رغبته العارمة بالخلاص من النظام السوري، حتى لو أدى ذلك لاستبدال استبداد بآخر، أو إلى حروب طائفية، أو إلى تحقيق مصالح إسرائيل في سوريا، فهذا كله ضمن نقاشٍ مؤجل حتى إسقاط النظام، وهو ما يعني أن القضية باتت ثأراً شخصياً لا علاقة له لا برؤية مبدئية ولا بمشروع سياسي ينشد مستقبلاً أفضل من حكم النظام الاستبدادي في سوريا ويبشر بمنظومة جديدة أكثر عدالة هناك، وهذا اتجاه انفعالي يُغلِّب رؤية عاطفية على مجمل النقاش، ويفسر هذا حالة التناقض التي تعتري خطاب تأييد التدخل الخارجي في هذا الاتجاه.
بغض النظر عن حصول التدخل الخارجي من عدمه، وبعيداً عن المزايدات على رافضي التدخل الخارجي والتي تظهر على شاكلة اتهامات معلبة بمناصرة استبداد الأسد كاستمرار لحالة انفعالية لا تصمد أمام نقاش جدي، يبقى الحدث فرصة لإثارة نقاشات تتعدى الحدث نفسه إلى منظومة المبادئ والمنطلقات التي تحكم نظرتنا للتدخل الخارجي، وما يبنى عليها من اختلاف في فهم أهداف الثورة وكيفية تطبيق الديمقراطية، ومفهوم الحرية الذي نعتقد أنه لا يمكن أن يكون دون التحرر من الاستبداد والهيمنة الخارجية معاً، وفرصة أيضاً للتأكيد على أهمية فكرة الاستقلال الوطني في أجندة أي ثورة تحررية، وأن الحديث عن التحرر من الاستبداد عبر التدخل الخارجي لن ينتج إلا حالة مشوهة كما هي الحالة العراقية.
شكرا على المقالة .. كلام صحيح في سياقه و لكن كما يعرف
بالمنطق تهافت أطروحة ليس سوى رؤية لها قد يغلب عنها التعميم ولا
تتناول خصوصيات الشيء من اكثر من زاوية التدخل الخارجي هو مسالة
مرفوضة مبدئيا ربما لدى الأغلبية من القوى السياسية و المجتمعية
العربية باستثناء بعض الملحقين بفكرة الانبطاح و الإيمان باليمين
العالمي فهم اول من يبارك فكرة الالتحاق كليا بالمشاريع الغربية
لتغيير وجه المنطقة في ما بعد المبدأ حينما ياتي التفاعل مع الأحداث
تختلف خلفية كل شخص في قراءة الوضع .. في حالة سوريا الانقسام الذي
ذكرته بين الرؤى حول التدخل الخارجي هو في الحقيقة صورة عن موقفها مما
طرح من أشكال لهذا التدخل وتقوم بتكييفه وفق مصلحتها بما يعني أنها
تحتفظ بصورة وهمية عن كونها معارضة للتدخل وتناقش في السطحيات القائمة
(مثلا مسالة الضربة العسكرية ) و تقترح آراءا و افكار جدالية في الوقت
الذي تتجاهل أنها واقعة في دائرة التدخل الواسعة المقصود بها الوصاية
الدولية على سوريا. ووقوعها لقمة سائغة في لعبة الامم من يؤيد التدخل
العسكري ومن يرفع شعار الحل السياسي نقيضا للتدخل العسكري نراهم في
حقيقة الأمر في صف واحد لأنهم عمليا لا يدينون مسالة التدخل في مجملها
ومن يفعل ذلك حاليا هم مقلدي التيارات الغربية المنادية بعدم الاهتمام
باي شان في دولة اخرى او بعض التيارات السلفية الشبيهة باليمين
المتطرف ف اميركا لأنهم بسلبيتهم اتجاه القضية السورية يكونون قد
احتفظوا بمبدأهم الأولي عن عدم التدخل دون تطبيق واقعي يفسده و يصيب
مصداقيته في مقتل من يهتم اليوم بالأزمة السورية بتوصيفاتها المختلفة
(ثورة _ مؤامرة _ حرب ) ومن يبحث عن حل سواء لغاية سياسية او
استراتجية او انسانية هو كمثل من يستخرج ما لديه من اموال ليستثمرها
في بنك هذا البنك هو التدخل الخارجي النضال من اجل الديموقراطية و
التحرر والسيادة بعيدا عن المصالح الأجنبية هو نقيض التدخل الخارجي
وهو فعل كل شيء من اجل عدم الوصول الى هذه النقطة .. هو اتحاد جميع
الأفكار البناءة لإنقاض الامة من الوقوع في ورطة الانتهازية و الواقع
المفروض الهجين ان النقطة الأساسية التي ساهمت في الوصول الى هذه
العقدة هي فكرة المقارنات و أجراء إسقاطات من احداث سابقة على الحاضر
بتجاهل كامل لمعطياته الحالية او ما سيكون عليه لانه عادة المقارنات
مسالة محصورة و محدودة و وتأتي على ذكر بعض نقاط التشابه دون تبيان
لكيفية الاستفادة منها .. ومنذ بدء احداث سوريا بدا الجميع يستثير
قواه العاطفية و تفكيره السلبي للإتيان بالأمثلة العراقية و الليبية و
الجزائرية لتثبيط عزيمة السوريين عن المضي قدما في تسوية أمورهم
بالطريقة الصحيحة فان فشلت فكرة الحل الوطني بسبب غياب بيئة واعية و
صحيحة لها وافتقاد أصحابها للحيلة في انجاحها .. فالموقف الصحيح الذي
يجب ان يتبناه الشخص الوطني القومي هو نقد حالة الفشل المذكورة
وأصولها الاجتماعية و الفكرية داخل المجتمعات العربية من جهة .. مع
إيجاد بدائل واضحة في النضال ضد المنظومة الدولية و الاقليمية
المتوحشة الراعية للتدخل في الشأن العربي وذكر المسالة الانسانية في
القضية السورية لا يعني سكوتا عن حقيقة مكانتها في السياسة الدولية بل
يجب ان تذكر في معرض الموقف الذي يتم إبدائه ضد النظام الدولي و عجزه
و سقوط قيمه و ان ربطت اي حيثيات بالبعد الإنساني فهو سهم من أسهم
المسؤولية يتم تسديدها نحو الجسد العالمي و
نحن منقسمون فعلا في فهم الأولويات و كيفية التعامل مع مسارات
الانتقال الإحداثي في مجتمعاتنا و ربما النتيجة الوحيدة التي تلجأ
إليها طائفة واسعة .. اننا لسنا جاهزين بعد للتعامل بحكمة مع هزات
عنيفة تستوجب مواقف صحيحة في تفاصيل دقيقة ان فشلنا الأكبر هو في
عجزنا عن إيجاد منهجية واضحة في التفاعل مع التحديات .. نحن ربما من
احسن شعوب الأرض حديثاً عن التمسك بالمباديئ او الدفاع عنها دون ان
نحقق ما ياتي بالفائدة منها لمنع انزلاق امم في مصائر سوداء