هناك أطياف متعددة من المجتمع السعودي مؤيدة لحملة #سعوديات_نطالب_باسقاط_الولايه ، ورغم وجود حد أدنى من الاتفاق فيما بينها، إلا أن هناك العديد من الخلافات في الهدف والوسائل والخطابات. ولعل أهم هذه الخلافات هو حول الإطار الذي يجب أن تقدم فيه القضية. فمن يغرد على الهاشتاق الإنجليزي: أوقفوا استعباد المرأة السعودية (stop enslaving Saudi women)، يصوّر وضع المرأة باعتباره وضع “استعباد”، وهناك من يستخدم نظام “الفصل العنصري” الذي كان السود يعانون منه في أمريكا لتصوير العلاقات بين المرأة والرجل في السعودية بأنها مطابقة أو مشابهة لحالة التمييز تلك. في هذه التدوينة سأقوم بنقد هذين الإطارين على أساسين: الأول، أنها في مضمونها أطر خاطئة، والثاني، أنها من الناحية التكتيكية أطر مضرة أكثر منها نافعة.
ولكن قبل البدء بهذا النقد، لا بد أن أوضح ماذا أقصد بالإطار ولماذا من المهم نقده. حتى نفهم الإطار، لابد أن نعرف أمران: ١- أنه لا يمكن تقديم أي قضيّة بطريقة محايدة. ٢- أنه يمكن تقديم أي قضية بأكثر من طريقة واحدة. لنضرب مثال: قرر عمال شركة كبيرة الإضراب عن العمل. يمكن أن نصيغ الخبر بـ”إضراب عمال شركة احتجاجا على حرمانهم من حقوقهم المقررة لهم في القانون”، أو “هزّة كبيرة في الاقتصاد بسبب اضراب عمال شركة س”. كل الصياغتين تتحدثان عن النفس الحدث، وكلاهما صحيحين: الإضراب لأجل حقوق قانوني، والأثر الاقتصادي السلبي حقيقي. نظرية الإطار تقوم على فكرة أن ردة فعل المتلقي على الخبر ستتأثر كثيرا بالإطار الذي يقدم به بشكل يعادل أو أكثر من تأثره بمحتوى الخبر نفسه. وهناك العديد من الدراسات التي وجدت تأثيرا كبيرا للإطار على المتلقي. في إحدى هذه الدراسات تم سؤال المتلقين عن موقفهم من مسألة هل يحق لجماعات الكراهية التظاهر؟ في المرة الأولى، صيغ السؤال على شكل “نظرا لأهمية حرية التعبير، هل يحق لجماعات الكراهية التظاهر؟” وفي المرة الثانية، صيغ على شكل “نظرا لأهمية الحفاظ على الأمن، هل يحق لجماعات الكراهية التظاهر؟”. في المرة الأولى، جاوب ٨٥٪ أجابوا بنعم، وفي المرة الثانية أجاب ٤٥٪ بنعم. ومن هنا يصبح من المهم في أي حملة الحرص على الإطار التي تقدم من خلالها مطالبها، فأيا تكن المطالب عادلة، فالإطار الذي تقدم به هذه المطالب سيحدد بشكل مؤثر ردة الفعل اتجاهها. ولهذا من الضروري نقد الأُطُر المضرّة، وتحسين الإطار الذي تقدم من خلاله القضية العادلة، وذلك لكسب مزيد من التضامن، ومزيد من القبول والتلقي.
نظام الولاية… العبودية… التمييز العرقي
قالت الفيلسوفة الألمانية-الأمريكية حنة أرندت يوما “إن الأمر يبدو كما لو أن لي الحق أن أسمي كعب حذائي مطرقة فقط لأني، كغيري من النساء، استخدمه لتثبيت المسامير على الجدران”. ما تعنيه أرندت هنا هو أنه رغم أن المطرقة وكعب الحذاء يتشاركان نفس الوظيفة (طرق المسمار) إلا أنهما ليسا نفس الشيء، فكعب الحذاء ليس مطرقة. هذا المثال وجهته أرندت لنقد النظرة الوظائفية التي تنزع للتعامل مع الظواهر على أنها متماثلة إذا كانت تقوم بوظائف متشابهة، وهذه النظرة هي – باعتقادي- الدافع الذي يجعل البعض يساوي بين نظام الولاية وبين العبودية وبين التمييز العرقي وذلك لوجود تشابه في هذه الوظيفة أو تلك. إن تجاوز النظرة الوظائفية لكفيل بمساعدتنا على فهم طبيعة علاقة الاتصال والانفصال بين هذه الأنظمة بشكل أدق.
سأقوم بالمقارنة بين هذه الأنظمة بناء على معيارين: الحريّة الفردية، والمساواة في الفرص والمزايا والمنح. هناك تصوّر شائع أن الحرمان من الحريّة يقتضي ضرورةً من الفرص والمزايا والمنح. فعلى سبيل المثال، في النظام الطبقي الهندوسي في الهند: الحرية التي يتمتع فيها أعضاء الطبقة المنبوذة أعلى بكثير من الحرية التي يتمتع بها الطبقة التي تتمتع بأغلب المزايا والفرص والمنح. فطبقة البراهما هي الأعلى في هذا النظام، ويتمتعون بالجاه والشرف ولا يحق للطبقة الدنيا لمسهم، لكنهم ليسوا أحرار، فهم- مثلا- ممنوعين من التجارة بالحيوانات التي تؤكل لحومها. فتمتعهم بالمزايا العليا يفرض عليهم قيودا على حريتهم. نفس هذا الأمر نجده في السلالات الحاكمة القديمة، فهم وإن كانوا يتربعون على سلّم المزايا والفرص والمنح إلا أن التقاليد الملكية تفرض على حركتهم وسلوكهم قيودا أكثر بكثير من تلك المفروضة على بقية الناس الذين، وإن كانوا أكثر حرية منهم، إلا أنهم أقل مساواة في الفرص والمزايا. أعتقد أن هذه الأمثلة كافية لتوضيح أن العلاقة بين الحرية الفردية والمساواة في الفرص والمنح والمزايا متوترة ومعقدة وليست مباشرة وواضحة كما هو التصور السائد… أنا هنا لا أقول أنه لا توجد علاقة بين الأمرين، كل ما أود الإشارة أن العلاقة ليست مباشرة.
لنبدأ بالمقارنة بين نظام الولاية والتمييز العرقي. في نظام الولاية قوانين خاصة بالرجال وقوانين خاصة بالنساء، وفي التمييز العرقي قوانين خاصة بالبيض وقوانين خاصة بالسود. فكل النظامين يفصل بين مجموعتين ويضع لكل مجموعة قوانين خاصة، وهذا تماثل واضح، وهذا التماثل الظاهر هو الذي يجعل بعض المعارضين والمعارضات لنظام الولاية يتعامل مع النظامين كما لو أنهما متماثلين. إلا أن هناك فرقا رئيسيا متعلق بالغرض والدافع من التفريق القانوني في النظامين. ففي التمييز العنصري تصدر القوانين على أساس أن البيض أفضل من السود، وأن الفصل بين المجموعتين هو للحفاظ على بقاء البيض في وضع أفضل. أما في نظام الولاية تصدر القوانين على أساس أن المرأة أضعف من الرجل، وأن القوانين التي تفصل بين المجموعتين هدفها تقوية أو حماية المرأة. هذا الفرق مهم، لأن نتيجته أن التمييز في الفصل العنصري ليس على الحريّة الفردية، بل على المساواة في المزايا، في حين أن التمييز في نظام الولاية هو على الحرية الفردية أكثر منه على المساواة في المزايا.
لنأخذ مثال سطحي جدا لكنه مفيد في الكشف عن هذا الفرق بشكل كافي. المثال هو استخدام الباصات لنقل الطلاب للمدارس. في دولة تقوم على الفصل العنصري، سنجد أن الأولوية في توفير باصات لنقل الطلاب للمدارس ستكون للبيض، وذلك لأن الأولوية للأفضل في هذا النظام، والأفضل هنا هم البيض. السود لديهم نفس الحرية التي لدى البيض في الذهاب للمدرسة، لكن لا يتمتعون بمستوى مساو من المزايا والخدمات والمنح. بالمقابل، في دولة تقوم على نظام الولاية، فإن الأولوية لتوفير خدمة باصات النقل ستكون للطالبات، لأنهن أضعف ، في حين أن الأولاد عليهم أن يتكفلوا بأنفسهم في النقل. أي أننا- في نظام الولاية- سنجد بعض القوانين تعطي المرأة مزايا وخدمات أكثر من الرجل في نفس الوقت التي تقيد حريتها أكثر من الرجل. فمثلا المرأة مقيدة بموافقة ولي أمرها وإحضار محرم حتى تلتحق بنظام الابتعاث، لكنها إذا التحقت فإن لأخيها- والذي مهما كان مستواه الدراسي متدني- الحق بالالتحاق بالبعثة، أما الفتى فهو ليس مطلوبا منه تأمين موافقة أحد حتى يلتحق بالبعثة (أي حريته أكثر)، لكنه إذا التحق لا يستطيع إلحاق أخته بالبعثة، رغم أن مستواها قد يكون أعلى من أخ الفتاة التي تحدثنا عنه سابقا. في نظام الفصل العنصري، الأسود حريته مقيدة بشكل أكبر، ويتمتع بمزايا أقل، في حين أن المرأة حريتها مقيدة، لكن ليس دائما تتمتع بمزايا أقل، بل قد تتمتع بمزايا أكثر.
أما بالنسبة لتشبيه علاقة الرجل بالمرأة في نظام الولاية بعلاقة السيد بالعبد، فهذا أيضا غير دقيق، فالعبد في نظام العبودية مقيّد الحريّة ومحروم من المساواة مع الحر في المزايا أو المنح أو العطايا. فالعلاقة بين السيد والعبد علاقة ملكية فسلطة السيد على العبد شبه مطلقة، يمكن أن يبيعه ويشتريه ويسخره له كيفما شاء. صحيح أن علاقة الولاية بين الرجل والمرأة تمنح الرجل سلطة أكثر، لكنها لا تجرّد المرأة من كيانها القانوني. فالرجل- على الأقل قانونيا- لا يستطيع قتلها أو أخذ أموالها، ولا يستطيع بيعها، وتستطيع أن تشتكيه، وتستطيع أن تخلعه إن كان زوجها. أما الفرق الآخر بين العلاقتين هو في الغاية منها، فعلاقة العبودية غايتها أن يخدم المعبود السيد، أما في علاقة الولاية فإن غايتها- على الأقل شكليا بغض النظر عن صحة هذا على أرض الواقع- أن يوفر الولي ما هو أصلح للمرأة التي تحت ولايته.
مما سبق نخلص إلى أن نظام الولاية لا يعامل المرأة كما يعامل نظام العبودية العبد، ولا كما يعامل نظام التمييز العنصري الأسود، بل إن نظام الولاية يعامل المرأة مثلما يعامل أي نظام آخر القاصر. فتقريبا في كل مكان في العالم هناك تمييز في التعامل بين القاصر والراشد، القاصر غالبا يحتاج لموافقة وليه في كثير من القرارات، ولا يملك استقلال قانونيا لأن يتخذ قراره بنفسه. فمثلا هنا في أمريكا لا يسمح للقاصر بأن يقود السيارة، لكن لا أحد يقول أن هذا المنع سببه أن القاصر يعامل مثل الأسود في نظام الفصل العنصري، بل يبرر عادة بأنه لصالح هذا القاصر الذي لا يعرف مصلحة نفسه ويحدد الراشدون عنه مصلحته. من هنا تكون مشكلة نظام الولاية ليس في كونه نظاما عنصريا أو نظام عبودية، بل في كونه نظاما- في مجالات كثيرة من الحياة اليومية- لا يعترف بالمرأة الراشدة أنها راشدة تستطيع أن تقرر لنفسها ما هو الأصلح لها، وتستطيع أن تكون مثل الرجل الراشد في قدرته على اتخاذ القرار.
حسنا هذه الأطر خاطئة، لكن لماذا هي مضرّة؟
الإطار يحدد جانب كبير من ردة الفعل عليه. فإذا أنت عبرت عن وضع المرأة باعتباره وضع عبودية وقلت أن النساء تعامل كالعبيد في السعودية، فطبيعي أن يكون هناك نساء ورجال كثر ضدك، لأن الرجال سيرفضون وصم أنفسهم كملاك عبيد، والنساء سيرفضن أن يوصفن بالعبدات. وإذا عبرت عن وضع المرأة باعتباره تمييز عنصري، فقدرتك على المحاججة ستكون أضعف، لأن المعارض لك سيستطيع أن يسرد العديد من المزايا التي تتمتع بها المرأة في نظام الولاية، وستكون هناك نساء مستفيدات من هذه المزايا ستعتبر مطالبتك تهديدا لها.
الحملات الإلكترونية هي في جانب كبيرة حملات لكسب التعاطف والتضامن وإقناع الآخرين بعدالة القضية، وبالتالي فالإطار الذي يجب استخدامه يجب أن يكون اطارا محقا يعكس الوضع كما هو، ويجب أن يكون مفيدا لإضعاف موقف المعارضين، من هنا فإن الأطر التي تتوسل العبودية والتفرقة العنصرية لا تخدم هذا الغرض.
لماذا يتم استخدامها إن كانت لا تخدم الغرض؟
في هذا الزمن المعولم فإن هناك أكثر من جمهور يمكن مخاطبته، ولأن هناك عدد لا يستهان به من مؤيدي الحملة يتبنى استراتيجية كسب عون وتعاطف وسائل الإعلام الأمريكية من أجل الضغط على الحكومة السعودية لتحقيق المطلب، فإنهم ينزعون لاستخدام أطر للقضية تتناسب مع المخيلة الغربية الاستشراقية حول وضع المرأة العربية. فتكون الصفقة التي يلعبها المناصر للقضية على هذه الجبهة هي: سأمثل دور الضحية كما تحب مخيلتك أيها الغربي تصورها، وسيكون عليك أن تمد لي يد العون. وكما هو بيّن، فهذا نوع من الانهزام الثقافي والقيمي، وما يثير الأسى فيه أنه غالبا ضرره أكثر من نفعه. لماذا هو غير نافع؟ لكثير من الاسباب:
أولا، مصالح الدولة الأمريكية في تحالفها مع السعودية أكبر من قضايا الحقوق والحريات، وبالتالي من الصعب جدا تصور أن أمريكا ستغامر بهذا التحالف من أجل حقوق النساء.
ثانيا، أن أغلب من سلكوا هذا المسلك انتهى بهم الأمر في السجن، ولم تستطع المنظمات والحكومات الغربية نصرتهم.
ثالثا، لو فرضنا أن أمريكا والدول الغربية ضغطت على السعودية لإجراء اصلاحات للمرأة، فإن هذه الاصلاحات ستكون مرتبطة في نظرة أغلب الشعب بكونها مفروضة من الخارج، وبالتالي سيكون بقاء هذه الحقوق مرتبط ببقاء الدعم الأمريكي والوضع القائم، أي أن هؤلاء النسوة الذين سينالون حقوقهن عبر تبني أطر تخاطب الغرب وتستنجد به سيتحولون في اليوم التالي لحصولهن على هذه الحقوق من الضغط الغربي لأكبر أعداء الديمقراطية، لأن الديمقراطية ستعني زوال الوضع القائم الذي يحمي حقوقهم.
ما العمل؟
القضية عادلة، والمطالب محقة، والحل يكمن في الضغط من الداخل، عبر توظيف كافة الطاقات والأطر المناسبة لكسب الكثير من التأييد والتعاطف والضغط. إذا كانت حجّة الحكومة في إبقاء نظام الولاية هو أن “المجتمع غير جاهز”، فالأسلوب الأمثل- الذي يتطلب الصبر والحكمة- يكمن في جعل هذا المطلب مطلبا شعبيا اجتماعيا يجمع عليه الكثير، وهذا الأمر هو الذي تقوم الحملة بفعله بشكل ناجح ومستمر.
مقالة رائعة ياسلطان بس عندي تعليق بسيط:
“سيتحولون في اليوم التالي لحصولهن على هذه الحقوق من الضغط الغربي لأكبر أعداء الديمقراطية، لأن الديمقراطية ستعني زوال الوضع القائم الذي يحمي حقوقهم”
أعتقد هذة النقطة غير صحيحة, زوال الوضع القائم او الديموقراطية ماتعني زوال, او اني ما افهم كيف تتعارض حقوق النساء والديموقراطية لانك اعتقد انك هنا تصورالحقوق اللي يطالبون فيها عن طريق الغرب كمميزات و ماهي حقوق وهنا الفرق.
حتى لو كانت حقوق فالضامن لها هو الغرب وليس اعتراف مجتمعي بالتالي عند زوال الضامن تزول هذه الحقوق لان المجتمع يعتبرها فرضت عليه ولم يختارها فهنا تهديد الديمقراطية عند قدومها ستجد مجتمع جاهز لرفضها