-١-
قبل أيام، قررنا أنا ومجموعة من الأصدقاء قراءة مشروع عبدالوهاب المسيري. وأثناء القراءة، ذكر المسيري في الجزء الأول من موسوعة اليهود واليهودية والصهاينة، وأثناء حديثه عن الإنسان الطبيعي، والذي يعرفه بأنه ذاك “الذي يدور في إطار المرجعية الكامنة في الطبيعة” والمستسلم لنزعة تدفعه للتجرد من كل الحدود التي تفصله عن ما حوله من مادة وطبيعة، ذكر أن هذا الإنسان الطبيعي يأتي بعدة تنويعات، أحدها هو “الإنسان الإقتصادي”. وبسطر واحد، ذكر أن الإنسان الإقتصادي هو “انسان آدم سميث الذي تحركه الدوافع الإقتصادية والرغبة في تحقيق الربح والثروة”. أثناء النقاش حول هذا النص، اعترضت أنا على هذا الفهم لفكر آدم سميث، إلا أن بعض الزملاء اعتبر أن هذا الفهم هو الفهم السائد والمعروف، فقررت كتابة هذه التدوينة لتقديم فهما أكثر دقّة وأكثر عدالة لفكر آدم سميث الذي باعتقادي أنه تم اختطافه وتشويهه من قبل دعاة النيولبرالية.
الصورة الكاريكاتورية التي يُقدّم لنا بها آدم سميث تقوم على ركيزتين: ١- أنه كان معارضا شرسا لأي تقييد حكومي للسوق، وأن رفضه للتقييد الحكومي مبدأي وجذري. ٢- أنه قدّم تصورا عقلانيا للإنسان، باعتباره كائن نفعي عقلاني يحرّك نشاطه الاقتصادي دوافع أنانية بمراكمة الأرباح والثروات. في هذه التدوينة سأوضح أن هذان الأساسان ليسا دقيقان، وسأكشف أن القراءة المتعمقة لآدم سميث ستكشف أن موقفه من علاقة الحكومة بالسوق علاقة معقدة وفيها تفاصيل كثيرة، وكذلك ستكشف أن تفسيره لسلوك الإنسان الإقتصادي ليس عقلانيا بقدر ما هو امتداد لنظريته الأخلاقية والنفسية حول الطبيعة البشرية. Continue reading