هذه التدوينة موجهة للسعوديين الذين يرغبون في دراسة العلوم السياسية سواء كمرحلة بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراة. وهي إجابة مفصلة لكثير من الأشخاص الذين راسلوني سائلين عن المستقبل الوظيفي والفائدة العملية والعلمية لهذا التخصص. سأقسم الإجابة لقسمين، قسم موجه لمن يريدون دراسة العلوم السياسية كدرجة بكالوريوس، وقسم موجه لمن يريدون دراستها للماجستير أو الدكتوراة.
أ- مسارات التوظيف لخريج البكالوريوس في العلوم السياسية
هناك خمسة مسارات وظيفية لدارس العلوم السياسية في السعودية. وقبل الحديث عنها، يجب توضيح أنه قد يبدو للقارئ أن هناك العديد من الفرص لحامل هذه الشهادة، لكن هذا سببه محاولتي ذكر خيارات متنوعة وليس لأن العدد كبير. فمقارنة بتخصصات مثل الهندسة والطب والإدارة والمالية والمحاسبة والحاسب والقانون، فإن الطلب على هذا التخصص قليل. الآن، إلى المسارات:
١- المسار الأكاديمي:
ففي السعودية قسمين للعلوم السياسية، قسم في جامعة الملك سعود وقسم في جامعة الملك عبدالعزيز. وبالإضافة لهذين التخصصين، فهناك كليات وجامعات تدرس مواد لها علاقة بتخصص العلوم السياسية، فكليات الثقافة الإسلامية مثلا تدرس مواد متعلقة بالفلسفة السياسية، وكليات الشريعة تدرس موادا متعلقة بالنظام السياسي والعلاقات الدولية في الإسلام، وكليات القانون تدرس موادا مرتبطة بالنظام السياسي بشكل عام، كما أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تدرس مادة عن العلاقات الدولية، كما أن هناك معهد الأمير سعود الفيصل الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية يدرس موادا كثيرة عن العلوم السياسية، وكذلك معهد الإدارة.
هذه المؤسسات العلمية المحلية تشترط في المتقدم أن تكون دراسته للعلوم السياسية مستمرة، أي أن تخصص البكالوريوس والماجستير والدكتوراة يكون متماثلا، وغيرها من الاشتراطات الأكاديمية.
فإذا كنت تريد العمل في المجال الأكاديمي، فعليك أن تحرص أن تتخرج من درجة البكالوريوس بمعدل مرتفع حتى تستطيع أن تكون معيدا ثم يتم ابتعاثك من المؤسسة الأكاديمية لإكمال دراساتك.
إذا كنت امرأة وتريدين العمل في المجال الأكاديمي، فالوسط مهيمن عليه غالبا من الرجال. لا أعرف امرأة سعودية تحمل درجة الدكتوراة في العلوم السياسية، وقسم العلوم السياسية في جامعة الملك سعود لم يبدأ بقبول الطالبات كمعيدات إلا من عام ٢٠١٥م فقط.
٢- المسار الحكومي
أكثر جهة حكومية توظف طلاب العلوم السياسية هي وزارة الخارجية، ولكنها ليست الجهة الوحيدة، فهناك جهات أخرى توظف خريجي العلوم السياسية في وظائف مرتبطة بالسياسة العامة والعلاقات العامة والتحليل السياسي، كوزارة الإقتصاد والديوان الملكي والهيئات الملكية ومجلس الوزراء وغيرها من الجهات. إلا أنه بشكل عام هذه الوظائف قليلة العدد والتنافس عليها عالي وهي ليست محصورة بالمتخصصين بالعلوم السياسية.
٣- مسار القطاع الخاص
فالشركات الكبرى في السعودية، كآرامكو وسابك، توظف خريجي العلوم السياسية كمحللين للسياسات. ومع تضخم حجم سوق الاستشارات في السعودية، فإن كثيرا من شركات الإستشارات الأجنبية توظف خريجي العلوم السياسية كمحللي ومستشارين لجوانب مختلفة من السياسات. بالإضافة لهذا النوع من الوظائف، فإن مؤسسات الإعلام- كالقنوات والصحف وغيرها- وشركات العلاقات العامة والقانون المحلية توظف خريجي العلوم السياسية باعتبار أن التخصص يتقاطع بكيفية ما مع تخصصات الإعلام (الإعلام السياسي) والقانون.
٤- مسار مراكز الدراسات والقطاع الثالث
ففي السنوات الماضية تزايد عدد مراكز الدراسات وبيوت الخبرة والمؤسسات الخيرية التي تحتاج لمحللين وباحثين يحملون درجة العلوم السياسية. فهناك مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية، ومؤسسة الملك خالد الخيرية، ومركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية، ومركز البحوث والتواصل المعرفي، بالإضافة لمراكز الدراسات الكثيرة التابعة للديوان الملكي وغيرها من الجهات.
٥- العمل في خارج المملكة
ففي الفترة الماضية تكاثرت في كل أنحاء العالم المراكز والشركات والمؤسسات التي تريد دراسة منطقة الخليج وتحتاج لباحثين لديهم المعرفة والتأهيل واللغة للمساهمة معهم، وخريجي العلوم السياسية الذين يتقنون اللغة الإنجليزية سيجدون فرص كثيرة خارج المملكة للعمل في هذه المؤسسات التي تنتشر في منطقة الخليج نفسها وفي أمريكا وأوروبا وحتى في دول شرق آسيا.
ب- مسارات التوظيف للعلوم السياسية كدرجة عليا:
في حال كان تخصصك للبكالوريوس في مجال غير العلوم السياسية، وترغب بدراستها للماجستير أو الدكتوراة، فأغلب المسارات السابقة تنطبق عليك ما عدا المسار الأكاديمي. والنقاط التالية توضح الفروقات:
١- لأن وزارة التعليم في السعودية لديها قانون غريب يشترط امتداد المسار لحامل الدكتوراة كي يصبح دكتورا في الجامعة، فإن هذا يحدّ من فرص توظيفك في هذا القطاع. أقول “يحدّ” ولا يمنع، لأن في ظروف محددة يمكن توظيفك، كأن يكون تخصصك في البكالوريوس مقاربا للعلوم السياسية (قانون أو علم اجتماع أو اقتصاد وغيرها) أو تكون الجامعة جديدة أو في منطقة غير مرغوبة فتتنازل عن الشروط المعتادة أو غيرها من الظروف. هذا غير الفرص التي يمكن أن تطرح لك في الجامعات الخاصة. لكن بشكل عام شرط عدم الامتداد يحدّ من الفرص.
٢- تضاؤل فرصك في المسار الأكاديمي يقابله ارتفاع طفيف في الفرص في القطاعات الأخرى، إذا كان تخصصك في البكالوريوس من التخصصات الجذابة. ذلك أن مزيج التخصصين قد يمنحك تفوقا على منافسيك باعتبار أنه يمكن الاستفادة من معرفتك هذه في مجالات أخرى. بمعنى آخر، ستعمل هذه الشهادة عملا مشابها- وإن كان أقل قوة- لشهادة ماجسيتر الإدارة للذين يحملون بكالوريوس في الهندسة والقانون وغيرها من التخصصات.
- هل أستطيع إكمال الماجستير في العلوم السياسية وتخصصي في البكالوريوس بعيد جدا عنه؟
- الإجابة نعم. أنا تخصصي البكالوريوس هندسة كهربائية وأدرس علوم سياسية. في الولايات المتحدة الأمريكية يمكنك دراسة أي شيء، المهم أن يكون ملفك الذي تقدم فيه للجامعة يقدم رسالة مقنعة عن شخصيتك: من أنت؟ لماذا تريد دراسة هذا التخصص في هذه الجامعة؟ ولماذا غيرت تخصصك؟ وهل أنت مؤهل ومنافس للنجاح في البرنامج الذي تقدم عليه؟ وما هو الموضوع الذي تريد دراسته معنا؟. الحصول على درجات عالية في اللغة الإنجليزية والجي آر إي (اختبار قدرات للدراسات العليا) وشهادات توصية قوية ومعدل جيّد– كل هذه عوامل تساعد في الطلب وأهم من نوع التخصص. والأهم من هذا كله هي رسالة الغرض من الدراسة، لابد أن تكتب بطريقة ذكية، لأنها قناتك الوحيدة لشرح نفسك أمام هيئة القبول.
ملاحظات ختامية:
أ- نوع التخصص ليس هو المحدد الوحيد للفرص الوظيفية، فهناك محددات أخرى. فمثلا كون الشهادة بكالوريوس يلعب دورا مهما في الحصول على عمل أكثر من تخصص البكالوريوس، أو نوع الجامعة المتخرج منها، أو إتقان لغات وخبرات إضافية غير متعلقة بالتخصص نفسه. كونه ليس المحدد الوحيد، لا يعني أنه غير محدد غير مهم. والمحددات الأخرى قد تلعب دورا في الحصول على وظيفة، لكن قد تكون الوظيفة غير مرتبطة بالتخصص. وهنا الناس يختلفون في مدى تقبلهم العمل في عمل بعيد عن تخصصهم.
ب- كما وضحت في تدوينة سابقة، هناك تصور عام مغلوط عن نوع المعرفة التي يمكن تحصيلها من دراسة العلوم السياسية، فيجب على الذي يريد دراسة هذا التخصص أن يقرأ عن المواد التي سيدرسها، ومفرادات كل مادة، وسؤال من يدرس فيها، فقد يكون ما يجذبه لهذا التخصص شيء مختلف عن ما يفعله الدارسون فيه.
ج- في حال وجدت أن هذه الفرص ليست مغرية، فيمكن الإنصراف عن الموضوع كتخصص أكاديمي مع المحافظة عليه كاهتمام معرفي. يمكنك القراءة في هذا المجال والإطلاع على أمهات الكتب والأبحاث والنقاشات. أما إذا كنت تريد التحوّل من مستهلك للمعرفة إلى منتج لها، فإن التعليم الجامعي ضروري لتنال التأهيل ويصبح لديك قناة للدخول إلى المجتمع العلمي والأكاديمي.