علماؤنا الأشاوس

كتب إبراهيم السكران في مقالته المعنونة بـ(دور السلفية في ترسيخ المشروع الأمريكي) جملة رائعة يقول فيها: (لا يخفى على منصف صادق أن السلفيين في كل مكان يضخمون القضايا الرمزية ويقزمون القضايا الكبرى). ويتحسر على أن (المناخ السلفي اليوم هو المناخ المفضل للأخطبوط الأمريكي). إذ يؤكد أن الطريقة المفضلة لأمريكا لحماية حلفائها الفاسدين إنما تكون عبر (جر القوى الفكرية والسياسية واستدراجها الى التطاحن حول القضايا الرمزية والشكلية والصغيرة بحيث تمتص الطاقة الاجتماعية دون المساس بمصالح اللاعبين الكبار. إنها سياسة اشغال القطط الصغيرة بالفتات حتى لاتفكر في الصعود للمائدة). ويلوم السلفية بشكل مباشر التي تقوم أولويتها على (بيان زلات الكتاب، وتجنب القوى السياسية…فهي حركة خطيرة تجر الشباب الى الاشتغال بما لايؤثر على مصالح الاستعمار الأمريكي من حيث لاتعلم. حيث تحاول تخفيف الاهتمام بالقوى السياسية صاحبة الأمر والنهي والسيادة، وتحويل المعركة الى الصحافيين والمثقفين المعزولين أصلاً عن القرار السياسي والشعبية العامة. بل بلغ الحال ببعض السلفيين الى التبجح في المجالس بعلاقاتهم الخاصة مع الأمراء والولاة، وأصبحت نغمة مألوفة ان ترى الواحد منهم يقول (قال لي الأمير فلان كذا .. وقال الأمير فلان كذا ..) يقولها بكل استرخاء وكأن شيئاً لم يكن!
في بالي الآن عدد من الأسماء السلفية الرنانة التي صدَّعت أسماعنا بذلك في المجالس والندوات المغلقة -وبعضهم يكتب في الساحة السياسية بأسماء شبه معروفة- ولكن أخلاق الاسلام تأبى علي التصريح بما في المجالس. بل كثير منهم يعتذر صراحة في المجالس والندوات للنظم السياسية العربية الفاسدة بأنه ليس في امكانها أكثر مما صنعت أمام الامبراطورية الأمريكية.)

هذه التحليلات العميقة لإبراهيم السكران، نجدها تتفق بشكل عجيب مع سلوك بعض المشايخ في الأشهر الأخيرات. ففي الزمن الذي نجد فيه شيوخ وعلماء الدول الأخرى يسعون من أجل أن تكون دول المسلمين أكثر حرية وعدالة ومساواة، نجد مشايخنا (خمسة وخميسة بعين العدو) مشغولين جدا بقضايا جبارة، فهؤلاء العلماء الأشاوس قد صحوا أخيرا ليصلحوا أمور حياتنا. ولكن للأسف الشديد (تمخض الجبل عن فأر)، واكتشفنا إن مشايخنا (ما عندك أحد)، وأن كلام السكران فيهم حقيقة وواقع للأسف الشديد، وجولة بسيطة خلال البيانات الجماعية التي أصدرت خلال الأشهر الماضية تكشف لنا عن القضايا المصيرية والكبرى التي تشغل علماؤنا الأشاوس:

القضية الكبرى الأولى التي يجتمع عليها ٤٩ شيخ (شيخ ينطح شيخ) هي إيقاف (اللهو واللعب والاختلاط) اللي في الجنادرية

القضية الثانية والطامة الكبرى التي أقضت مضاجع ٢٩ من علماء الدين وشيوخ (الغفلة) هي بضع كتب تباع في المعرض (أغلبها موجودة أونلاين) والاختلاط وكم ضيف (لسان حالهم: لعبونا ولا بنخرب)

أما القضية الثالثة فهي هناك في (بوابة الحرمين) في جدة التي دفعت بأكثر من ٧٠ من شيوخها إلى نشر بيان إزاءها. هل هي الفساد الاداري؟ لا بل أعظم من ذلك. هل هي محاسبة المسؤولين عن كارثة جدة؟ طبعا لا فهناك ما هو أدهى وأمر، إنها (محاضن الإلحاد) المنتشرة هناك (طبعا محاضن الإلحاد هذه، ليست شيئا سوى (ملحق) يجتمع فيه بعض الشباب يقرأون كتب لا يفهمها علماؤنا الأشاوس، فيعتبرونها إلحادا

أما آخر جولاتهم والتي لن تكون الأخيرة (أطال الله أعمارهم) فهي المسارعة إلى إيقاف ملتقى يشرف عليه (سلمان العودة) عقابا له لأنه يشرف على قضايا تافهة من قبيل (النهضة والكلام الفاضي هذا)

ولكن لحظة، هل هذا يعني أن مشايخنا لا يهتمون بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة؟

وقطعا للطريق على كل مشكك في مصداقية مشايخنا نقول وبالفم المليان: نعم يهتمون، ويهتمون جدا، لكن بشرط واحد: أن تكون في سوريا.

فمشايخنا- بارك الله فيهم واحد واحد- قد كتبو بيانا ضد جرائم النظام البعثي (يقال أن بشار بعد قراءته بدأ بحزم أمتعته)

فسبحان الله الذي جعلهم (مبصرين) خارج الحدود، (عميانا) داخلها.

يقول الشاعر العراقي أحمد مطر في قصيدة بعنوان (عملاء):
الملايين على الجوع تنام ،
وعلى الخوف تنام ،
وعلى الصمت تنام ،
والملايين التي تصرف من جيب النيام ،
تتهاوى فوقهم سيل بنادق ،
ومشانق ،
وقرارات اتهام ،
كلما نادو بتقطيع ذراعي كل سارق ،
وبتوفير الطعام ؛
عرضنا يهـتـك فوق الطرقات ،
وحماة العرض أولاد حرام ،
نهضوا بعد السبات ،
يـبـسطون البسط الحمراء من فيض دمانا،
تحت أقدام السلام ،
أرضنا تصغر عاما بعد عام ،
وحماة الأرض أبناء السماء ،
عملاء ،
لابهم زلزلة الأرض ولا في وجههم قطرة ماء ،
كلما ضاقت الأرض، أفادونا بتوسيع الكلام ،
حول جدوى القرفصاء ،
وأبادوا بعضنا من أجل تخفيف الزحام ،
آه لو يجدي الكلام ،
آه لو يجدي الكلام ،

آه لو يجدي الكلام ،

هذه الأمة ماتت والسلام.