من خلال متابعتي للحوار الدائر حول محمد عابد الجابري، وخصوصا بين سليمان الضحيان وبندر الشويقي، لاحظت أن هناك خلط بين قضيتين أعتقد أنه لا يوجد رابط مباشر بينهما. هاتان القضيتان هما: كمال الدين وكمال القرآن. فالشويقي، على سبيل المثال، يعتبر تجويز نقص القرآن تجويزا لنقص الدين نفسه، ومن هذا المنطلق بنى حكمه على تضليل هذا القول. وسنناقش هذا الموضوع من زاويا متعددة.
فمن الناحية المبدئية، كان القرآن يتنزل على مدى ٢٣ عام، وآخر الآيات نزولا كانت قبيل وفاة الرسول ببضع ليال. ولكن هذه المدة الطويلة لاكتمال القرآن لم تؤثر على إيمان الصحابة، ولا يمكن أبدا اعتبار ايمانهم ناقصا لأن القرآن لم يكتمل، خصوصا من استشهد منهم في المعارك والغزوات. فهؤلاء آمنوا وجاهدوا واستشهدوا قبل اكتمال القرآن لكن لم يؤثر ذلك على إيمانهم. بل حتى قصص الأعراب والوفود الذين يأتون ليعلنوا إسلامهم، ثم يعودون لديارهم، فهؤلاء لم يُلزموا بمتابعة اكتمال القرآن، بل فقط بالإقرار والايمان بأنه وحي من الله.
هناك أيضا زاوية أخرى يمكن من خلالها إثبات عدم الارتباط بين كمال الدين وكمال القرآن. وهي قول الله تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي…”. فهذه الآية التي تتحدث عن كمال الدين، ليست آخر ما نزل من القرآن. بل آخر ما نزل هي آيات الدين والربا في سورة البقرة على قول، أو آية الكلالة على قول آخر. نعم، هناك من ذكر أن “اليوم أكملت لكم دينكم” هي آخر ما نزل، لكن من نقل عنه هذا القول، كالسدي مثلا، نجده يشير إلى أنها آخر ما نزل من ناحية التشريع، بحيث لم ينزل بعدها تحليل أو تحريم… فالمفسرين اختلفوا: هل نزل بعد “اليوم أكملت لكم دينكم” فرائض وأحكام أم لا؟ ولم يتبن أحد المختلفين القول بأنها آخر ما نزل على الإطلاق. ويعضد السياق هذا الأمر، فـ” اليوم أكملت لكم دينكم” ليست آية مستقلة، بل هي جزء من آية “حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير”.. فهذه الآية التي تتناول أحكام الأطعمة، تلتها آيات تتناول نفس الموضوع… مما يوحي بأنها متتابعة في النزول. وكل هذا يؤكد أن “اليوم أكملت لكم دينكم” ليست آخر الآيات نزولا، مما يعضد القول بأن اكتمال الدين لا يشترط اكتمال القرآن.
بل يمكن النظر لهذا الموضوع من زاوية ثالثة. فالذين كتبوا في ناسخ القرآن ومنسوخه، يذكرون من ضمن أصناف المنسوخ: ما ذهب حكمه وبقي لفظه. مما يعني أن هذه آيات تنحصر قيمتها في جانبين فقط: الأجر الذي يناله قارئها عند تلاوتها، ومعرفة أنها كانت حكما سابقا لحكم جديد. مما يعني أنها لا تؤثر مباشرة على الدين، بل إن أثرها قد نسخ بأثر آية أخرى. كذلك بخصوص الآيات التي تتناول أحكاما خاصة بالرسول وزوجاته، فهذه الآيات مرهونة بحياة الرسول وزوجاته فقط، ولا يؤثر وجودها بشكل مباشر على الدين بعد وفاتهم. ولو افترضنا أن هذه الآيات المنسوخة حكما فقط، نسخت لفظا أيضا، لما أثر ذلك على اكتمال الدين، ونفس الأمر ينطبق أيضا بخصوص الآيات الخاصة بالرسول وزوجاته.
لا يعني الغاء الارتباط بين كمال الدين وكمال القرآن، القول بنقص القرآن. بل كل الذي يعنيه هو التأكيد على أنه لا علاقة بين القضيتين. وبالتالي لا معنى لتحويل أي نقاش حول جمع القرآن وتجويز نقصه، إلى نقاش حول الدين والإيمان وكماله ونقصه، ولا معنى لتضليل أو تكفير أي رأي في قضية كمال القرآن لأن لا علاقة لها بقضية اكتمال الدين.