قد يعود المصريين إلى بيوتهم من ميدان التحرير بعد أن أطاحوا بمستبدهم وخانقهم، وقد نالوا كافة حقوقهم المدنية وحرياتهم الخاصة، لكن ما سيخلفونه ورائهم هناك في الميدان ليس شيئا آخر سوى (سعادتهم). هذه السعادة، التي ظننت أني سأجدها، بمجرد أن أرحل للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ظني قد خاب نتيجة القيود الكثيرة التي تحيط بقدرتي على الفعل والمتمثلة بورقة صغيرة تدعى (فيزا دراسية). وعوضا عن أن أشعر بهذه السعادة حولي هنا في واشنطن، غمرني جانب منها عبر شاشات التلفاز جرّاء متابعتي لأخبار الثورة المصرية وميدان التحرير خصوصا، وعبر مشاركتي في الشبكات الاجتماعية كتويتر والفيسبوك التي ضاعفت من هذا الشعور عندما أمدتني بالاحساس، وإن شئت قل الوهم، أني أحد المشاركين بهذا العمل العظيم. هذه السعادة التي لم يعكر صفوها هدير طائرات الإف-١٦ فوق الميدان والفزع الذي منعنا من النوم بسبب الشائعات التي تنتشر كل ليلة بأن مجزرة ستحيق بالمتجمهرين، لم يعكر صفوها قطعان الجمال والخيول التي اقتحمت الميدان في محاولة بائسة لتفريق المتجمعين. هذه السعادة التي كانت بادية على محيا متظاهري الميدان حتى في أشد لحظاتهم هلعا، وانتشرت عبر الكاميرات التي تنقل الحدث مباشرة بين كافة المتابعين المحبوسي الأنفاس والمترقبين، هي ما سيتم دفنه، للأسف الشديد، في الميدان عندما تنطلق العملية الديمقراطية النيابية. هكذا كان الأمر منذ أوائل الثورات التي حدثت في العالم منذ كومونة باريس أيام الثورة الفرنسية، مرورا بمجالس السوفيات في الثورة البلشفية، وبالمجالس الثورية في هنغاريا عام ١٩٥٦… وهكذا سيكون في ميدان التحرير سواء نجحت الثورة أم أجهضت.
كان السؤال الذي يتردد في وسائل الإعلام وفي ردهات مباني النظام (المحتضر) هي حول هوية (قيادات الثورة) أو عن ضرورة وجود (قيادات للثورة) حتى لا تختطف أو تسرق. ما فات الجميع أن هذا الغياب للقيادات هو (ملح) هذه الثورة، هو معناها، هو ما لا يستطيع فهمه طغمة البيروقراطيين والعسكريين ورجال الاعمال اللبراليين الذين يشكلون في آن معا النظام المحتضر ومعاني الحداثة الأشد بؤسا (البيروقراطية، العسكرية، اللبرالية)؛ أن ما يدعونه غيابا، إنما هو حضور وابنعاث للسعادة: إذ أن جميع من في الميدان عرفوا أن باعثها هو اكتشافهم لحقيقتهم عبر وجودهم بين الآخرين… وأن هذه السعادة شيء آخر غير المتعة والمنفعة، عرفوا أن الإنسان إنما هو (حيوان سياسي) وفعله ناتج عن تميزه كإنسان لا يماثله شيء مما يجعله أمرا مستحيلا أن يتم (تمثيله) أو النيابة عنه… فالسعادة لا توكل ولا تفوض ولا يتم تمثيلها. غياب القيادة إذن، هو نتيجة تجلي الحقيقة، أن انضمام الفرد للجميع في ميدان التحرير أظهر ما يميزه، أن له رأي مستقل، أن للجميع، على الرغم من ازدحامهم معا، وجودهم المتمايز والمختلف والكامل، الذي لا يستطيعون فهم كيف تتم مطالبتهم بالتنازل عنه لشخص- مهما بدا طيبا، صادقا، مخلصا- ليقوم بتمثيلهم أو النيابة عنهم، فالآراء لا يتم تمثيلها، ولا الأفعال… وحدها المصلحة التي تمثل، وهذه قد تجلب المتعة أو المنفعة، لكنها أبدا لا تشعل نار السعادة. هذه السعادة التي كان مبعثها ادراك المرء نفسه كحر، وأن تكون حرا- كما تحدثت يوما حنة أرندت- يعني (ألا تكون خاضعا لضرورات الحياة أو لإمرة أحدهم، وكذلك ألا تكون خاضعا بإعطاء أوامر. إن ذلك يعني ألا تكون حاكما أو محكوما… والمساواة، بهذا المعنى الذي يجعلها بعيدة الارتباط عن العدالة كما هو الحال هذه الإيام، هي المعنى الجوهري للحرية: أن تكون حرا، يعني أن تكون متحررا من اللامساواة التي يجلبها الحكم، أن تمضي إلى ميدان حيث لا وجود للحكام أو المحكومين فيه). وهذا المعنى هو الذي مثله ميدان التحرير بكامل سورياليته، فدبابات الجيش المحيطة به.. بما يمثله الجيش من حارس للحدود، وتفتيش هويات الناس قبل انضمامهم للآخرين في الميدان بما يذكرنا بتفتيش الجوازات عند الانتقال من بلد لآخر، جعل الأمر وكأن ميدان التحرير مكان آخر، متعالي، الجنة، التي بمجرد أن يتجاوز المرء آخر جندي تنبعث فيه سعادة أنه حر مساوي لغيره دون أن يفرط في شيء من اختلافه وتمايزه عنهم: أنه حر مساوي للآخرين بكامل حقيقته، لا مجرد طليق مماثل لغيره عبر التخفي بأقنعة النفاق!
كانت الورقة الأهم التي حاول النظام المحتضر اللعب بها هي التهديد بالفوضى، بأن عقله الأداتي قد اعتبر مجرد سحب قوات الأمن من المدن والشوارع، يعني حدوث الفوضى… الأمر الذي كذبه التاريخ مرارا. إن الذي ذهب مع قوات الأمن المنسحبة ليس الإستقرار بل هو الحكم، ليحل محله (المساواة)… أصبح كل فرد في الشارع مساويا للآخر، لا حاكم ولا محكوم، وبدلا من القوانين، أصبحت المعايير الأخلاقية الأساسية هي الحاكم بين الناس: أن لا أعامِل أحدا بما لا أريد أن أعامَل به، أن لا أفعل ما لا أستطيع احتمال نفسي عندما أتذكر أني فعلته بعد فعله. عندما انسحبت قوات الأمن، تخلص الغالبية العظمى من دونيتهم، من انحطاطهم، من هامشيتهم… وجدوا أنفسهم فجأة صانعين للأحداث… فجأة استعادوا طبيعتهم البشرية، التي كان القمع والاستبداد قد قمعها وازرى بها. عندما انسحبت قوات الأمن، تخلص الناس من اتكاليتهم وأنانيتهم، ووجدوا أن بقائهم يتعلق بتعاونهم وتنسيقهم مع بعضهم بغض النظر عن اختلافاتهم وفوارقهم، فشكلوا اللجان الشعبية لحماية الأحياء والممتلكات. وهذه اللحظات التاريخية التي يصبح كل فرد مشاركا في هذا العمل العظيم… لا ينتظر أحدا أوامر من أحد ليقوم بما يعتقده صحيحا، ويتم تقويم المخطئ لا بسلطة القانون أو بالعنف بل بالكلام وتبادل الآراء… إذ أنه بعد انسحاب الأمن: الكل سواسية. مثل هذه اللحظات، مثل هذه الروح الثورية، هي التي كان توماس جفرسون، أحد آباء أمريكا المؤسسين، قلقا من تلاشيها بعد تشكيل الدستور… هذه السعادة- كما وصفها جون آدامز- في النقاشات المطولة بين الجميع، الواقفين على قدم المساواة، حول ما يجب أن تكون عليه البلاد والدستور وما إلى ذلك؛ هذه السعادة التي يتم توقيع شهادة وفاتها بمجرد إقرار الدستور والانتقال إلى الديمقراطية النيابية… حيث ينحصر المجال السياسي في مجموعة صغيرة من النواب يمارسون هذه الأعمال تحت قبة الكونجرس؛ هذه الروح الثورية هي التي كان جفرسون حريصا على حمايتها من الاندثار.
استخف جفرسون بالذين (ينظرون إلى الدساتير بتقديس)… واعتبر أن احتكار جيله وحده بالقدرة (على البدء بالعالم من جديد) ظلما، و(غرور محض وادعاء فارغ بالحكم من وراء القبر) معتبرا النظام الذي سينشأ عن ذلك (أسخف الأنظمة الاستبدادية وأوقحها). ويضيف جفرسون في معرض عدائه للدستور (إننا حتى الآن لم نبلغ بدساتيرنا حد الكمال حتى نغامر بأن نجعلها غير قابلة للتغيير) معتبرا أن (ليس هناك شيء غير قابل للتغيير إلا حقوق الإنسان الثابتة).. التي عدّ من بينها- كما تنقل حنة أرندت- الحق بالتمرد والثورة. وعندما نشب تمرد (شاي) في ماساشوتس، استبشر به على الرغم من اعتباره إياه قائما على أساس الجهل وقال (نسأل الله ألا نكون من دون مثل هذا التمرد على مدى عشرين سنة). لكن عندما شاهد أهوال الثورة الفرنسية، بدأ ينتقل إلى المطالبة بأن يكون في الدستور (ما يمكن من تعديله في فترات محددة) أي الفترات التي تفصل جيلا عن جيل. إن ما دفع جفرسون للإيمان بحق الأجيال أن تختار شكل الحكومة التي تعبر عن سعادتها، هو سعيه للحفاظ على تلك السعادة والحرية والروح التي استشعرها هو وأبناء جيله من الآباء المؤسسين إبان ثورتهم. إن ما دفعه للتفكير بطرق مختلفة خيالية وغير عملية -كحق الشعب أن يثور كل مقدار محدد من السنوات- هو، وكما تقول أرندت دوما، (أنه كان يعرف أن الثورة، مع أنها قد منحت الحرية للشعب، إلا أنها قد أخفقت في توفير مجال يمكن فيه ممارسة هذه الحرية)… مجال كميدان التحرير، الذي تم التخلي عنه إلى غير رجعة من أجل الفوز بالحرية. ففي أيام الميدان، سمعنا عن انعقاد الكثير من البرلمانات الشعبية، وعن تشكل لجان شعبية، كان الشعب نفسه يناقش ويتكلم ويشارك ويبدي الرأي، ولكن بعد إخلاء ميدان التحرير، ستذهب كل هذه الممارسات لفئة قليلة تنتخب لتمارسها تحت قبّة مجلس الشعب.
إذن، الشعب الذي أراد إسقاط النظام، وحكم نفسه بنفسه، ونظم نفسه بنفسه، في الاسابيع السعيدة الماضية، أصبح يوم رحيل الرئيس، ذلك اليوم الذي امتلأت شوارع مصر احتفالا به، هو اليوم الاخير لهذا الشعب لممارسة سلطته. فالذي سيحدث بعد ذلك، أنه لن يشارك في اتخاذ أي قرار إلا في يوم انتخاب النواب، وهو يوم يأتي كل أربع أو خمسة سنوات. ستصان حقوقهم وحرياتهم الخاصة إن مضت الثورة لنهايتها السعيدة، لكنهم سيحرمون من المشاركة في الميدان السياسي…. والشعب الذي ثار ضد احتكار السلطة بيد رجل لمدة ثلاثين سنة، سيقبل بأن يسلم السلطة إلى يد قلّة من الاشخاص، كل اربع أو خمس سنوات. هي نقلة عظيمة نعم، أن تحمي حيزك الخاص من استباحة الدولة، وأن تمنع تشكل قلة حاكمة دائمة ذات مصالح ومنافع منفصلة، لكن ما تربحه هنا، لن يعوض أبدا تلك السعادة وتلك الحرية التي عاشها الناس في ميدان التحرير…. بل قد كان جيفرسون قد شكك في أن حماية الحيز الخاص هذه ستدوم أصلا قائلا: (ما إن يغفل شعبنا عن الشؤون العامة، حتى نصبح كلنا، أنا وأنت، الكونغرس والمجالس، القضاة وحكام الولايات، ذئابا).
لو أردنا اختصار الظواهر البشرية المعقدة بكلمات قليلة، لجازفنا بتسمية الموجة التي تحدث في العالم العربي حتى الآن بأنها انتقال من أنظمة للرئيس فيها سلطات مطلقة، إلى أنظمة يكون فيها للبرلمان سلطات طاغية. والبرلمان هو عبارة عن مجموعة من النواب يمارسون سلطاتهم انطلاقا من كونهم ممثلين عن الشعب. وتمثيلهم يكون إما كتمثيل المحامي لمصالح موكليه أي أنه ليس من حقه أن يبدي رأيا أو أن يجتهد بقدر أن كل ما عليه هو أن يدافع عن رأي من ينوب عنهم ويمثلهم، أو أن يكون تمثيلهم باعتبارهم (حكاما) انتهت علاقتهم بناخبيهم منذ اللحظة التي انتخبوا فيها، ليمارسوا صلاحياتهم بالطريقة التي يرتضونها. ترى أرندت أن الحالة الأولى تحول الدولة إلى محض إدارة عامة، وشيئا فشيئا تنحل الأمور السياسية إلى محض ضرورات تحل من قبل مجموعة من الخبراء، أما الحالة الثانية فتعيد إبراز الفرق بين الحاكم والمحكوم التي قامت الثورة على إزالته بشكل جديد، إذ أن الشعب لا يسمح له بالدخول في الميدان السياسي مجددا، الذي أصبح امتيازا لقلة من المحظوظين تنازل لهم الشعب بالسلطة يوم الاقتراع.
وأمام أي نقد للنظام البرلماني، يقوم الجميع بترديد مقولة تشرشل القديمة التي مفادها أن هذا النظام أقل الأنظمة سوءا. في حين أن أزمة هذا النظام لا تتمثل عبر المقارنة بغيره، بقدر ما تتشكل من طبيعته نفسها… الأزمة التي اختصرها شومبتير يوما بأن البرلمان أضحى مجرد (غرفة انتظار) وأن القرار فيه لا يتخذ داخله وإنما خارجه، وأن النقاش المفترض أن يجري داخل البرلمان بين أعضائه يتحول إلى استعراض خطابي للجمهور القابع خارج البرلمان من أجل الفوز بدورة انتخابية أخرى للحزب الممثل. هذا الرأي اليساري، يوافقه رأي يميني مثله كارل شميت الذي قال (إن ما يتفق عليه ممثلو مجموعة المصالح الرأسمالية الكبرى في أضيق اللجان أهم، ربما، من أي قرار سياسي بالنسبة لمصائر ملايين البشر).
إن كل نقد للنظام البرلماني، مهما نبلت دوافعه، كان يقود دوما لبديله البشع: الديكتاتور. ذلك أن البديل الآخر الذي ألهب خيال كارل ماركس يوما، أي الديمقراطية المباشرة، دوما ما جوبه بتلك الحجة القديمة: (المكان لا يتسع للجميع)، لا يوجد برلمان يستوعب الثمانين مليون مصريا كي يعبروا عن إرادتهم. وأمام عدم عملية هذا الخيار، وخشية العودة لنظام مستبد، يقدم البرلمان نفسه كحلا وسطا.
في وصفها للصراع الذي نشأ بين الحكومة والجمعيات الشعبية وكومونة باريس أثناء الثورة الفرنسية، تقول حنة أرندت (إن النزاع بين الحركة الكومونوية والحكومة الثورية له تفسير مزدوج، فهو من جهة نزاع بين الشارع والكيان السياسي… نزاع بين الشعب وجهاز الحكومة المركزي جدا الذي أدى، بزعم تمثيل سيادة الأمة، إلى حرمان الشعب من سلطته ومن ثم إلى قيامه بمقاضاة الأدوات العفوية غير القوية التي جاءت بها الثورة إلى الوجود). أما من الجهة الأخرى، كما ترى أرندت دوما، فإن الجانب الآخر من النزاع كان بين نظامين مختلفين للحكم: النظام الفدرالي، والنظام الحزبي.. إن هذه اللجان الشعبية والكومونة مثلت هيكلا سياسيا ذا حكم ذاتي غير حزبي يتبادل فيه الناس الرأي والأفكار والنقاش بحرية واستقلال… في حين كان نادي اليعاقبة عبارة عن حزب ذو رأي واحد يريد فرض هذا الرأي عبر جهاز الدولة المركزي نفسه… فكان النزاع دوما يحسم لصالح هذا الجهاز الحزبي ضدا على هذه الجمعيات الشعبية، لتنتصر الدولة على هذه الأدوات الثورية التي كتب لها أن تكون مدة حياتها قصيرة جدا. هذه المجالس واللجان والميادين، التي يجتمع فيها الناس ويتعاونون ويتناقشون بحرية ومساواة هي مصدر الروح الثورية والسعادة والتعبير الحقيقي عن مشاركة الجميع في السلطة، وهذا الذي كان جفرسون حريصا جدا على إبقائه… كانت نصيحته لإنقاذ الجمهورية الأمريكية الحديثة (قسموا مناطق البلاد إلى أحياء ودوائر). كان جفرسون يرى أن الطريقة التي بني فيها الاتحاد الكونفدرالي الأمريكي ستحول دون قيام حكومة مستبدة، وستحول دون اقتحام السلطات العامة للحيز الخاص المحمي بلائحة الحقوق التي ناضل جفرسون لإقرارها، لكنها لن تمنع أبدا من تزييف الأدوات التمثيلية للشعب وفسادها وانحرافها. هذا التزييف والانحراف الناتج، بحسب تعبير أرندت، عن غزو المصالح الخاصة للميدان العام. يقول جفرسون (أحب جارك كما تحب نفسك، وأحب وطنك أكثر مما تحب نفسك)، وتعلق أرندت على هذا الكلام بأنه يكون لغوا فارغا إذا لم يكن محتوى الجار والوطن محتوى حيا… إذ لا معنى من محبة جار لا يلقي التحية إلا مرة كل سنتين، أو وطن لا تساهم فيه إلا باقتراع مرة كل اربع سنوات!
إن ميدان التحرير، والأشكال التنظيمية التلقائية المنبثقة من الشعب التي تظهر من رحم الثورة مباشرة، كانت مصدر حيرة وقلق لاثنين من أعظم الثوريين في التاريخ الحديث: ماركس ولينين. ولكنهما أمام اضطراب نظرياتهما لهذا الشكل التنظيمي الغير متوقع، تعاملا معها باعتبارها أدوات ثورية مؤقتة تزول بعد أن تصل الثورة لمنتهاها. وبعد رحيل مبارك عاد المصريون إلى منازلهم مؤكدين أنهم لن يتخلوا عن (مكتسبات الثورة)، وهي عندهم التحول نحو ديمقراطية برلمانية، في حين أن هذه مكتسبات للأحزاب وللقلة من الساسة المحترفة، لكن (المكتسبات) الحقيقية، التي شارك من خلالها الجميع عبر اللجان الشعبية والميادين، ستقبر إلى غير بعث… ما لم يحمي المصريين هذه المكتسبات، ويجعلوا ثورتهم نقطة تحول في تاريخ البشرية جمعاء، خصوصا أن كافة الأدوات لتسهيل عمل مثل هذه اللجان والميادين الصغيرة والمشاركة المباشرة بالنقاش وتبادل الآراء يمكن تحقيقها عبر وسائل إلكترونية، تماما كما أمكن تحقيق الثورة اعتمادا على هذه الوسائل الالكترونية. لكن هذا محض حلم لن يتحقق، إذ أن شيطان الواقعية سيعمل عمله نحو نظام برلماني، وسيتحول ميدان التحرير لتلك الملايين التي وقفت عليه يوما إلى محض ذكرى عاش الجميع فيها (سعادة) لا يمكن أن تتكرر ولا يمكن أن تضاهيها كافة المتع والمنافع التي سيجلبها النظام البرلماني الديمقراطي!