-١-
كيف اختلفت “النخبة المثقفة” السعودية حول اليوم الوطني؟
الجواب بسيط: كان الخلاف حول سؤال: هل الوطن هو الحكومة أم أنه أكبر بكثير من الحكومة؟ وتحول الخلاف من كونه خلافا بين وجهات نظر، إلى معيارا يتم بواسطته توزيع الأحكام على الآراء، فمن يستغل اليوم الوطني من أجل صب المدائح على الحكومة أصبح مرتزقا، بوقا، أو وطنيا حقا؛ أما ذاك الذي يؤكد على أن الوطن أكبر من الحكومة، ويدعو لأن يكون هذا اليوم إعادة تأكيد على الإصلاحات المطلوبة من الحكومة، اعتبر نفسه أنه هو الوطني حقا، والإصلاحي، وقد يُنظر إليه بأنه محرض ومحاولا لشقّ الصف.
ما يهم هنا ليس السهولة التي تتحول فيها الخلافات الفكرية السعودية إلى مناسبات تبادل شتائم وتخوين وتكفير؛ ما هو شديد الأهمية في هذا الخلاف حول اليوم الوطني، أن الفريقين – شاءو أم أبو- منشغلين بالحكومة أكثر من انشغالهم في “ما يعنيه هذا اليوم”. فمهما جادل ذاك الذي يؤكد على أن الوطن أكبر من الحكومة، فهو إنما يفعل ليسمح لنفسه انتقاد الحكومة دون أن يحسب نقده هذا نقدا للوطن، الأمر الذي يستتبع الخيانة.
وإذا كان انشغال “النخبة المثقفة” في اليوم الوطني يتكشف بسهولة عن انشغال بالحكومة- أي بالحاضر- فهذا لا يعني أكثر من تفريغ “اليوم الوطني” من محتواه. يتأتى ذلك عبر تحويله إلى وسيلة تخدم غايات محددة، والتي مهما كان نبلها فهو أبدا لا يبرر ما يتطلبه هذا اليوم تحديدا من الكفّ عن الانشغال بالحاضر من أجل التوجه إلى الماضي، إلى تلك اللحظة التاريخية -التي لا يعني الاحتفاء بذكراها سوى محاولة تخليدها، محاولة حمايتها من أن تنزلق إلى هاوية النسيان- أي لحظة تأسيس المملكة العربية السعودية.
-٢-
سُئل كليمنصو “ماذا تتوقع أن تقوله الأجيال القادمة عن الحرب العالمية؟” فكان جوابه: “لا أعلم، لكن ما أعلمه يقينا أنهم لن يقولوا أن بلجيكا هي من غزت ألمانيا”. مثل هذا النوع من “الوقائع” الجليّة لا يمكن تزييفه أو تحريفه، فمهما سيقال عن حرب الخليج الثانية، فلن يقال أبدا أن الكويت هي من غزت العراق. لكن للأسف أن واقعة شديدة الأهمية لنا كسعوديين مثل واقعة تأسيس المملكة تم اختطافها من قبل أسطورة “السيف الأملح”.
غريب جدا رواج مثل هذه الأسطورة التي مفادها أن تأسيس المملكة تمّ بالقوّة، أي أن جزءا من المجتمع- فردا كان، أو أسرة، أو إقليم- قام بإخضاع البقية لحكمه بـ”السيف”؛ هو غريب لأنه يماثل في إيغاله في الخطأ قولنا أن الكويت هي من غزت العراق. وهذه الأسطورة سائدة لدرجة أن الكثير يصدقها، من مستفيدين يشتقون منها شرعية مزيفة، أو متضررين يسعون لتجاوز هذه “الخطيئة الأصلية” عبر المطالبة بـ”تأسيس جديد” – أو عقد جديد- يمكن اشتقاق شرعية جديدة منه. يوجد هناك من يبرر جبنه عن مواجهة المظالم بأن هذا “حكمهم الذي أخذوه بالسيف”، وكذلك يوجد آخر – وبينما يواجه المظالم- يفسر حدوثها بأنه أثر طبيعي لحكم نيل بالقوّة والإخضاع.
مشكلة هذه الأسطورة أنها ليست فقط تزيف الماضي، بل أيضا تلعب دورا أساسيا في تأسيس نوع من الامبريالية المحلية؛ إذ أن المؤدى النهائي لها أن كل العظمة التي كانتها لحظة تأسيس المملكة باعتبارها حالة توحيد من الطراز النادر، ستنحل فجأة إلى محض احتلال نجدي لباقي الأقاليم، لم يكن وما كان له أن يكون لولا عامل السيف. باختصار شديد، ما يقوله من يعتقد بهذه الأسطورة أن ما حدث في الربع الأول من القرن العشرين في الجزيرة العربية لم يكن “توحيدا” بل كان “احتلالا”. ونظرا لانتشار مثل هذه الأسطورة في قطاعات مختلفة، بين النجديين الذين فعلا صدقوا الكذبة وبدأو يفكرون بمنطق المحتل للدرجة التي جعلت أحدهم- دون أي وعي منه- يقسم الوطن إلى إنسان وسطى وشمال وجنوب، موزعا ولاءات الجميع لغير ما يرى أنه “الوطن”- الذي لن يعني بالنسبة له سوى الوسطى. وكذلك بين غيرهم الذين بدأت تنتشر بينهم “ذهنية الضحيّة” التي بعد وعيها بمأساتها، بدأت تطالب بـ”حقوقها”، التي لن تكون إلا حصة “عادلة” من كعكة الحكومة، تجدهم يتسائلون مثل هذه الأسئلة: لماذا عدد وزراء المنطقة الفلانية أكثر من عدد وزراء تلك المنطقة، ولماذا توجد مشاريع هناك أكثر من هنا. أنا طبعا لا أنفي التحيز الواضح في أجهزة الدولة، لكن مقابلته بمطالبة من نوع “المحاصصة”- التي لا تذكر بشيء أكثر من نظام المحاصصة اللبنانية- لا يعني أكثر من اعتراف أن “نحن” لم تعد أبدا تعني “نحن السعوديين”، بقدر ما تعني “نحن” المحرومين- ضحايا الاحتلال- و”أنتم” المترفين- المحتلين.
يمكن الإشارة إلى ظواهر كثيرة لا يجمعها إلا انطلاقها من هذه الاسطورة، لعل أكثرها إفصاحا – وسخرية أيضا- أن الأحتفال باليوم الوطني، الذي يفترض فيه لحظة استعادة تمجيدية لتلك اللحظة العظيمة، ينحل إلى “محاولة نسيانها” والتطهر من عارها وذلك عبر تحويلها إلى محض وسيلة، يتم استخدامها في أغراض مختلفة: تبدأ من “ترقيم الفتيات” ولا تنتهي بإصلاح الحكومة. إنه لخطر شديد أن تتحاشى أمة ذاكرتها، أن لا تستعيده بنوع من الفخر والاعتزاز.
-٣-
إن الحديث عن توحيد المملكة يصبح بلا معنى دون استلهام الوضع العام للجزيرة العربية مطلع القرن العشرين، حيث كانت الجزيرة مقسمة إلى حواضر- على شكل قرى ومدن صغيرة- وبادية – قبائل تمتد في فضاء جغرافي لا يتوفر على حدود بالمعنى السياسي الحديث. كانت الحواضر وحدات شبه سياسية إما خاضعة لحاميات تركية، أو خاضعة لإمارة محلية تابعة إما لحماية بريطانية (إمارة الكويت، ومملكة الهواشم في الحجاز مثلا) أو لسلطة عثمانية (إمارة آل رشيد). وكان الحدث الجديد الذي تم تدشينه بدخول الأربعين مقاتلا إلى الرياض عام ١٩٠٢، هو تأسيس كيان يضم هذه الوحدات المتنوعة بحيث لا تكون خاضعة لأي قوة خارجية: لا حماية بريطانية ولا سلطة عثمانية. وتم تأسيس هذا الكيان- لا بالسيف بل بالتوافق والتعاون والتعاضد بين الغالبية العظمى من الحواضر والقبائل المنتشرة في جزيرة العرب- ليكون فضاءً عاما يوفر الأمن والاستقرار والعدل للجميع، مع الحرص على احترام استقلالية كل حاضرة وقبيلة في إدارة شؤونها. وهذا الأمر ليس أمنيات يتم بنائها في الماضي بأثر رجعي، بل وقائع تكشف عن نفسها بكل وضوح، فمهما تكن أمانينا حول أحداث حرب الخليج، فلن نستطيع أبدا أن نجعل الكويت هي من غزت العراق.
بحسب التقسيم الإداري الحالي للمملكة، يمكن القول أن جميع مناطق المملكة دخلت طواعية وسلما في الكيان السياسي الجديد الذي أسسه الملك عبدالعزيز، ما عدا حائل وعسير والحجاز، في حين أن كامل نجد، والشمال والمخلاف السليماني ونجران والأحساء والقطيف، كله انضم سلميا، بل إن حالتي القطيف ونجران تمثّل ذروة ما نريد إثباته هنا. فالقطيف- ذات الأغلبية الشيعية- عندما كان بيدها أن تختار بين أن تتحول إلى محمية بريطانية – مثل الكويت والبحرين وقطر وغيرها- أو تنظم لهذا الكيان الجديد الذي للتو طرد العثمانيين من جارتها الأحساء، اختارت الأخيرة. أما نجران- ذات الأغلبية الإسماعيلية- التي تعرضت لغزو من الجيش اليمني، اختارت التعاهد مع الدولة الجديدة من أجل طرد الجيش اليمني.
وحتى المناطق التي كانت إمارات وممالك سابقة، لم يتم “احتلالها” أو “اخضاعها بالقوّة”؛ فحائل مثلا كانت الاتفاقية بين أهلها والملك عبدالعزيز “أن لكم ما لنا وعليكم ما علينا”، بشرط أن يتم التخلص من آل رشيد، وكذلك الأمر فيما يتعلق بمكة وجدة والمدينة حيث كلها انضمت للدولة الحديثة بمعاهدات واتفاقيات لا تشبه أبدا اتفاقيات الاستسلام التي ترافق عادة الاحتلال والاخضاع بالقوة؛ ولا يمكن تسميتها احتلالا إلا إذا كان دخول قوات الثوار الليبيين إلى طرابلس يعتبر “احتلالا”، أو أن إخضاع ابراهام لينكولن للولايات الجنوبية في الحرب الأهلية الأمريكية يعتبر احتلالا.
نعم حدثت معارك وحروب، لكن محض حدوثها لا يبيح أبدا أن يستنتج المرء أن ثم احتلالا قد وقع.
إن نفي أسطورة “السيف الأملح”، يعني تهاوي قصتين كبريين مؤسستين عليها. القصة الأولى التي ترى أن التأسيس هي – كما يذكر عادة في بعض الكتب- “قصة المعارك والحروب التي خاضها الملك عبدالعزيز”، والقصة الثانية التي لا ترى في كل الحكاية إلا صناعة بريطانية. هاتان القصتان لا تستقيمان ولا تكتسبان أي وجاهة بدون أسطورة “السيف الأملح”. إذ أن كون توحيد المملكة لم يتم بالقوّة والاحتلال، يعني بالنسبة للقصة الأولى أن الجميع شارك فيه وبالتالي ينهار وهم أن التاريخ يمكن أن يصنع من قبل بطل واحد، ويعني بالنسبة للثانية أنه طالما أن المخطط كان بريطانيا، فإن النتيجة ستكون بالغة السخف، إذ فحواها أن الجميع “عملاء”.
وكون أن الجميع- تجار، علماء، فرسان، مثقفين، رجالات دولة…إلخ- شارك في لحظة التأسيس لهو الأمر الحاسم والجوهري الذي تم نسيانه من قبل الجميع، وهو ما يجب تذكره هذه الأيام.
-٤-
لماذا تم نسيان أن لحظة التأسيس كانت نتيجة جهود الجميع؟
عادة، لا يتم نسيان مثل هذا النوع من اللحظات التاريخية، إلا عندما يأتي بعده حدث تاريخي آخر، ينفي الحاجة للعودة لتلك اللحظة لاستلهامها والعودة إلى روحها. وهذا الحدث التاريخي الآخر لن يكون شيئا سوى “اكتشاف النفط”.
إن اكتشاف النفط، وما استتبعه من أموال هائلة صبت في ميزانية الدولة التي أعادت توزيعه على المجتمع على شكل مشاريع ومؤسسات وفرص وظيفية، قام بعملية قلب كبرى للعلاقة بين الدولة والمجتمع. فالدولة التي انبثقت من جهود الجميع في تأسيسها، أصبحت – بسبب النفط- غير محتاجة لهذا الجميع، الذي أصبح بدوره عالة عليها. فالنفط الذي استطاع أن يصعد بالمجتمع إلى معايير حياة عالية في أوائل الثمانينات- فيما يسمى بالطفرة حيث وصل معدل دخل الفرد الى حوالي الـ٢٠ألف دولار؛ جعل الجميع سعداء، ويستطيعون بسهولة نسيان الحدث الرئيسي الذي قام بجمعهم سوية والذي جعل بئر نفط في المنطقة الشرقية يستفيد منه القاطنين في جازان أو القريات.
لكن هذا النفط – الذي وصلت اسعاره إلى مستويات منخفضة في التسعينات الميلادية- سرعان ما جعل الدولة التي ينهشها الفساد- حتى بعد الارتفاع الساحق للأسعار في السنوات الماضية- عاجزة عن توفير نفس المستوى من المعايير لمجتمع يمر بطفرة ديموغرافية كبرى. وهنا تحديدا، عندما ذهبت سكرة النفط، نشطت عمليات “تذكّر” متنوعة تبحث في الماضي ما تبرر فيه واقعها، فلم تفعل أكثر من اكتشاف وتأسيس أسطورة “السيف الأملح”، الأسطورة التي أنّا قلبت وجهك في التاريخ فلن تجد ما يبررها.
إن اليوم الوطني إذن، هو الاحتفال بهذا الحدث التاريخي الضخم، الذي – على الرغم من كل امتعاضاتنا ورفضنا للواقع الحالي- يمكن أن تلعب “ذكراه” دورا ملهما يجعل ابناء المناطق والقبائل المختلفة يجدون ما يجمعهم سوية، ما يحملهم على أن يكون سعيهم لإصلاح بلدهم ينطلق من الحقيقة البسيطة التي وإن أمكن نسيانها فلا يمكن طمسها:
“أنهم جميعا أحفاد أولئك الذين شاركوا في تأسيس هذا البلد، وأنهم أيضا أجداد من يريدون لهم العيش فيه بكرامة وحرية ورفاهية”
من السهل جدا أن تجد في أحداث التاريخ ما تجمعه وتسلط الضوء عليه دون تفاصيل أخرى لتعطيه ملامح تدعم أفكارا تطرحها. أي نظرية تستطيع أن توظف حقبة تاريخية لإثبات صحتها في حين أن نظرية نقيضة تجد مقوماتها في التاريخ ذاته لا بتزوير الحقائق لكن بإعادة تترتيبها وتوزيع التركيز على الأحداث بطريقة مختلفة. القرون ذاتها التي صورها ماركس بأنها عقدة الأزمة في التاريخ البشري يراها سبنسر مثلا أنها ذروة التطور البشري, وعام 1948 الذي المستقر في الرأي السائد في الغرب على أنه نهاية معاناة شعب عاد أخيرا إلى وطنه, هو عام النكبة في ذاكرة العرب الذي إبتدأت فيه مأساة شعب طرد من أرضه. وحتى مؤخرا في الجدل الإقتصادي المحتدم بين الجمهوريون والديموقراطيون في أمريكا كلا الطرفين يستعمل عهد ريغان ليؤكد رؤيته الإقتصادية, أحدهما يقدمها كالمثال الذي يرى الخلاص في العودة إليه والآخر يجد فيها جذر الخلل في الإقتصاد الأمريكي.
وفي حين أن آخر سيستدعي مجزرة الطائف والطمس الممنهج لملامح للحجاز الثقافية من خلال فرض مذهب معين, أو إرهاب قبائل الحجاز والشمال, ويرجع النجاح حصل إلى أنه الإذعان الطبيعي للمتغلب الذي يعلب لعبة المصالح بدهاء تماما كما كان العثمانيون والإنجليز يفعلون من قبل ولكن في ظرف عالمي مختلف وفروقات ثقافية أوسع, قد يجد رأيك سياقات مناسبة توضع فيها هذه الأحداث: فتكون المجزرة غلطة إخوان من طاع الله, ويكون المد “الوهابي” نتيجة طبيعية لقيام الكيان, ويكون التأسيس هو التوافق العريض الذي شارك فيه الجميع. تماما كما يتعبر اليساري الأمريكي أن قتل الهنود الحمر كان البدايات الطبيعية لنظام اجتماعي لاأخلاقي وفي الوقت ذاته تستبعد من ذاكرة اليمين أو تفسر على أنها حالات جاءت في سياقات تبررها.
سؤال “الوطن” لن تجد إجابته في التاريخ, الذي تعتمد قراءته على “أين تقف”, بل في الحاضر .. في صياغة مناسبة للعلاقات الساسية والإقتصادية والإجتماعية, التي تأسس للشراكة والمواطنة والعدالة وترسخ الحقوق والواجبات…..
“الوطن” ليس في الماضي إنما في ما نعيشه الآن.
أهلين أحمد،
لا أختلف معك كثيرا في جل ما ذكرت، ولا أعتقد أن تعارضا كبيرا بيننا، وهذه نقطتين رئيسيتين:
الأولى، أن “مذبحة الطائف” هي استثناء في عملية التوحيد، ولهذا يتم ذكرها. ولو أن باقي المدن استبيحت كما تم استباحة الطائف لما كان هناك أي معنى من تحديدها بالاسم دون غيرها، وبهذا المعنى تصبح نقضا لأسطورة السيف الأملح أكثر من كونها إثباتا. أذ أن في مسيرة التوحيد كله تجد أن هناك مدينة واحدة تم استباحتها.
ولست أستسلم للقصة التقليدية التي تضع لوم هذه المجزرة على جيش الأخوان. فالوقائع تقول التالي:
أ- قواد الجيش السعودي في المعركة كانوا :سلطان بن بجاد، وخالد الشريف.
ب- أهل الطائف فتحوا الأبواب معلنين أنهم لا يريدون الحرب.
ج- بعض جنود الأخوان قاموا باستباحة المدينة، دون أي أمر من قواد الجيش.
د- بعد علم القواد أوقفوا عملية الاستباحة.
هذا لا يلغي المسؤولية بالطبع، لكنه كذلك لا يثبت أن الأمر “احتلال”، أي لم يحدث عملية ضم لمملكة الحجاز واستتباعها لسلطنة نجد، بل تم طرد الحسين وابنائهم، والابقاء على “المملكة”، وعبر اتفاق بين الملك والحزب الوطني الحجازي تم مبايعته ملكا ضمن اتفاقيات محددة.
الثانية، أن ما حدث بعد ذلك من “وهبنة” للحجاز، لا علاقة له بحادثة التأسيس نفسها، وإنما هو أحد نتائج النفط واستغناء الدولة عن إنتاجية المجتمع ككل والذي تمت وهبنته بالكامل وليس الحجاز فقط.
الأطروحة التي أتقدم بها أن الفترة الممتدة من ١٩٠٢-١٩٤٨ بما تضمنته من حادثة التأسيس والبناء الأولي للدولة، قد تم بجهود الجميع، بحيث كان إتخاذ القرار ليس متركزا في جهة واحدة بل لامركزيا وبطرق مختلفة بحسب أعراف وعادات ذلك البلد. بعد تلك الفترة ومع النفط الذي أحدث القطيعة بين الدولة والمجتمع وعكس العلاقة بينهما، تضخمت الدولة بأجهزتها البيروقراطية وكنست كافة المؤسسات القديمة وتركزت السلطة في جهة واحدة وكان ما كان من آثار اجتماعية وثقافية وسياسية.
والخطأ المتكرر في تقييم التاريخ السعودي هو محاكمة هذه الفترة بنفس معايير الأحكام المستخلصة منها بعد ١٩٤٨ (السنة التي وصلت قيمة ريع النفط إلى قيمة تساوي مجموع ميزانية الدولة للعشر السنوات التي قبلها).
وإليك هذا الرابط أشرح فيه هذه الفكرة بشكل أكبر:
http://www.sultan-alamer.com/researshes/decentralization/
شكرا لك
يعطيك العافية سلطان . لم تخلوا مرحلة التوحيد من اخطاء قد يراها البعض فادحة واخرين يصنفونها ضرورة لبلوغ الهدف في مجتمع مفكك اللغة المفهومة فيه حينذاك هي السيف، بل ان الإستقلالية ومنطق القوة والطمع في الأخر كانت فضيلة خاصة لدى البادية. اتفق معك ان جل الجزيرة ارض وشعب اقبلوا على الوحدة تحت لواء عبدالعزيز، كما ان الملك عبدالعزيز منحهم شعور الشراكة وتعامل معهم وفقا لذلك وخطاباته واتفاقياته مع امراء المدن المحليين وشيوخ القبائل تثبت ذلك . المهم اليوم ان لانجتر التاريخ بقدر ما نؤصل المبادئ التي قامت عليها المملكة وجعلت شعبها وطوائفها المتناحرة تقبل وتساند الوحدة، ونعالج ما انحرف منها وجعل فرضية السيف الأملح حقيقة مسلمة عند كثيرين قد نجد لهم فيها عذرا. علينا مناقشة الهدف والحفاظ عليه من الخلل لا الوسيلة.
شكرا لك يا فهد
ليست المسألة “اجترار للتاريخ”، بل هو عملية “تذكير”، إذ أن أعظم أفعال البشر وأقوالها- مهما كانت عظمتها- هي بطبيعتها المحضة سريعة الزوال، ولا يحافظ عليها ويبقيها إلا إعادة تذكرها والتذكير بها من قبل البشر.
تضرب حنة أرندت مثالا حاسما في هذا المجال، تقول أن قتل تروتسكي كان قد حسم قبل “قتله الحقيقي” بعدة عقود عندما تم طمس دوره أثناء كتابة تاريخ الثورة البلشفية بشكل رسمي وتدريسها.
كنت ماخذك على محمل الجد .كنت اتعجب من كتابتك في صحف محلية . اقولها لك مكرها الا انه يبدو لي الان بانها المكان المناسب لك.
محاولتك لاعادة كتابة التاريخ تضحك مابقى الا تقول ان عبدالعزيز قاد ثورة سلمية وهو من ألهم الشباب في تونس وميدان التحرير . يعني معارك في كل انحاء البلاد بما فيها القصيم وارهاب دموي وديني ونفسي وفكري الى يومك هذا . وجاي الاخ يقول انهم دخلوا طواعية ,لا ياشيخ؟ عبدالعزيز الذي كان يفاخر عند ضيوفه بانه يقطع بسيفه الخاص رؤوس خصومه؟
اما ادراجك لمثال ابراهام لينكون فهل هو اسهبال يعني او استهبال؟ لاني متاكد انك تملك كل المعلومات والفوارق الواضحة بين الحالتين. أعلم انك تعلم أن لينكون كان رئيس منتخب من قبل الشعب (-للنسى للحظة السكان الاصليين واباداتهم والسود ايضا فلينكون لم يكن اقل عنصرية من الجنوبيين وان حارب العبودية-) ولم ينتصر في الحرب حتى يحول الولايات المتحدة الى مزرعته الخاصة ليسميها باسمه واسماء ابنائه وليعطيهم السلطة المطلقة في كل شيء اقتصاد كان او سياسة او حتى دين و رأي. انما انتصر فيها لتستمر كما هي . وانت تعلم ذلك لكنك تستغفل قراءك.
ما نعيشه هو احتلال وهو الشعور السائد , لذلك تجد سكان الجزيرة العربية هم الاقل ولاء ووطنية في كل انحاء الارض (-للنسى للحظة بأن الوطنية بحد ذاتها مرض كريه-) وإن كانت الوطنية مقررا دراسيا . وسبب ذلك هو شعور داخلي يعيه الفرد او لا يعيه بانه تحت احتلال. وسبب هذا الشعور بان الاحتلال حقيقي. وهو ما يفسره احد المراسلين بأنه السبب أن الشوارع والاماكن العامة في عالمنا قد تكون وصخة دون ان يبدي احد اي اهتمام , لانها ليست “شوارعنا” انما “شوارعهم”, او كما نقولها بالعامية , ديرة مب ديرَك ** به.
ماهو اعتراضك بالضبط على ما ذكرته؟
١- أن ما حدث احتلال، والدليل أن منسوب الوطنية لدينا متدني، وأننا لا نهتم بالمرافق العامة.
٢- أن حادثة التأسيس كانت دموية وإرهابية بكافة المعاني.
بالاضافة إلى تعليق حول التشبيه بالحرب الأهلية الأمريكية.
فبالنسبة للنقطة الأولى، مظاهر تدني منسوب الوطنية وعدم الاهتمام بالمرافق العامة – رغم تحفظنا على التبسيط الهائل- لا تدل على أن الأفراد يعيشون تحت ظل احتلال، بل تحت ظل استبداد. والمستبد ليس محتلا، نابليون بونابرت لم يكن محتلا، ولا هتلر.
أما بالنسبة للنقطة الثانية، حدوث “إرهاب” بالمعنى الحديث للكلمة، أي ما يشابه عهد الارهاب في الثورة الفرنسية، أمر لم يحدث أبدا في التاريخ السعودي، حتى في هذه اللحظات التي وصلت فيها تجاوزات حقوق الإنسان مستويات عالية.
أما حدوث معارك فهذا طبيعي، لكنها أبدا لم تكن حروب إبادة، فلم يحدث أبدا عمليات استباحة مدن (حتى ما حدث في الطائف لا يعتبر عملية ابادة) وتطهير قبائل أو أجناس بعينها، وهي كذلك لم تكن حروب احتلال، بمعنى أن الانتصار لم يكن يعني في أكثر الأحوال إلا إنهاء حكم الأسرة المنافسة، مع الحفاظ على هياكل الحكم والتنظيمات الادارية والاجتماعية كما هي، بل تحسينها، وعقد اتفاقيات مع الاهالي: هذا ما حدث مع الحجاز، وامارة صبيا، وامارة آل عايض، أما الاحساء والقطيف وكل نجد فدخلت سلما.
إثبات أن معارك وقعت لا يعني أن ما حدث كان احتلالا.
أما المقارنة بين عبدالعزيز ولينكولن- المنتخب، وكأن الانتخاب يعني أن الرئيس منزه أو مقدس، وكأن هتلر لم يكن منتخبا، وكأن جورج بوش لم يكن رئيسا منتخبا ومجرم حرب-، فهي تنتهي لصالح عبدالعزيز، فهو لم يكن بدموية لينكولن، ولم يقم بتوحيد بلاده بالقهر والعسف، ولم يتم اغتياله بسبب دمويته الهائلة.
انتقاداتك على الانحراف الذي حدث في الدولة السعودية بعد النفط اتفق معه، لكن هذا الانحراف لا يعني أبدا أن المشكلة في حادثة التأسيس، لأن الجميع شارك فيها.
سأحاول إن أسعفني الوقت أن أكتب عن هذا الموضوع بشكل مفصل أكثر.
كلامك جميل لكن بالنسبة لي كقارئ اراه كعرش بني على الماء
نفيت الأسطورة بدون أن تورد استدلالك التاريخي ، الا افتراضك اني اعرف ماتعرف وأن ماتعرف هو الدليل على ماتقول
في ظني البسيط المتواضع أن التاريخ السعودي رغم قربه الا انه لم يدون باستقلالية كافيه
ان كان كذلك فمالانعلمه من بحثك اهم مما علمناه ، وان لم فمالاستنتاجك قيمة تذكر
تحية
على الرغم من إعجابي بما ذكرته، إلا أني أؤمن بأن تاريخ توحيد الجزيرة لم يُدون بعد بما فيه الكفاية، بما يكفي لاتخاذ مثل هذه الأحكام بشكل نهائي. ما زال حبيس الذاكرة.
وشكرا لك.
السيف الاملح يابو متعب
تحية طيبة…
المقال طريف وان كان بعيدا عن الصحة!
التاريخ لا يزور بتلك الطريقة بل بطرق اخرى…قد يكون عذرك انك تعيش في مملكة الخوف والقلق ولكن لا يمنع ذلك من ذكر الحق او التغافل عن ذكره!! اما محاولة الغاء تاريخ كامل من الابادة والالغاء والرعب فذلك امرا مرفوضا بحق!
القطيف او الاحساء اختارت بأرادتها الحكم السعودي! ذلك امر طريف حقا!…لو منحت الحرية التامة للشعب لوجدت على اقل تقدير اربع دول كاملة السيادة…
تحياتي لك!
كفى كذباً وتزويراً للتاريخ معلوم أن جميع الأنظمة الخليجية أنظمة قمعية دموية إرهابية اتت بمساعدة الإستعمار البريطاني اللعين
هذه هي الحقيقة إذا اردتموها فعليكم بقراءة مايكتبه الأجانب عن تاريخنا بدلاً من كتب الزور والبهتان الموجودة في بلادنا المحتلة
احترم قلمك ولكن كأني أراك حولت الموضوع من أسطورة السيف الى أسطورة التوحيد والتأسيس !
السيف الاملح هو سيف قديم يتوارثونه ال سعود فقط لاغير