لو طالعنا متون عقائد المذاهب الإسلامية، فسنجد من بين ما تقرره من قضايا: تصورات تاريخية معيّنة. كأن خلافة أبي بكر كانت خلافة شرعيّة، أو أن الرسول أوصى لعليّ بالإمامة… إلخ. وتلعب هذه التصورات في المذاهب عدّة أدوار: فهي، أولا، تقدّم على أنها «حقائق» نهائية لا تقبل النقاش أو النقد. وهي، ثانيا، علامات محوريّة تميّز هذا المذهب عن ذاك. وهي، نتيجة هذه الأدوار، وكذلك لأنها تصورات تختلف فيما بينها حدّ التضاد، تقطع الطريق أمام كلّ محاولة للحوار فيما بين هذه المذاهب. وعلى الرغم من أن كل مذهب يتبنى صورة تاريخية تتناقض أو على الأقلّ تختلف عن باقي المذاهب، إلا أن هذه المذاهب كلها تشترك في تبني مفهوم موحّد للتاريخ. فهي جميعا تسلّم أن التصوّر الذي تتبناه للماضي، مطابق تماما لما حدث فيه. والحقيقة، بالنسبة لها، ليست شيئا سوى هذا التطابق بين التصوّر والماضي. وانطلاقا من هذه المسلمة، يصبح مبرراً أن ترفض هذه المذاهب أية محاولة للمناقشة أو النقد. وكذلك، يصبح من الطبيعي أيضا أن تعتبر التصورات المغايرة لها: تصورات باطلة، وما ذلك إلا لأنها مغايرة لها، وبالتالي مغايرة للحقيقة. وانطلاقا من هذه المسلّمة نصل إلى أن المعرفة التاريخية تنتهي عند الوصول إلى هذا التطابق، إلى هذه الحقيقة، وأية اضافة أخرى بعد ذلك هي تشويه وهي عمل مغرض بالضرورة.
هذه المسلمة تعتبر التاريخ هو «ما قد حدث فعلا»، في حين أن التاريخ «هو ما تبقى لنا من آثار الماضي». وهذه الآثار صمّاء، فحتى نتعرف على الفترة التي عاصرتها علينا أن نستنطقها، ولنستنطقها علينا التوسّل بمناهج ابتكرها البشر، أي مناهج لا يمكن بحال أن تكون كاملة، مما يعني أنها لا تستطيع أن تمدنا بأيّة حقيقة!
فنحن لا يمكن أبداً أن نعرف تماما ما قد حدث في الماضي، كل ما هنالك أننا نحاول قدر الإمكان أن نزيد من معرفتنا به، وزيادة المعرفة هذه لا تكون إلا عن طريقين: اكتشاف مزيد من الآثار، أو مناهج جديدة تكشف جوانب جديدة من الآثار القديمة. فمعرفتنا عن الفراعنة أو الآشوريين، قبل اكتشاف آثارهم وفكّ رموزهم كانت معرفة ضحلة لكنها بعد ذلك تعاظمت ولم تزل في اتساع.
فبهذه الرؤية للتاريخ يصبح خيار التكامل بين تصورات المذاهب للتاريخ ونقدها وتجاوزها مفتوحا، وبها، أيضا، يخرج التاريخ من كتب العقائد ليعود أدراجه كعلم أرضي لا مكان لحقائق نهائية لا تقبل الجدل فيه.
يا سلطان طيب كثير من تاريخنا موجود في صحيح السنة كيف نسوي به نحرفه مثلا؟!