قدم الشيخ السويلم استقالته من عضوية المجلس البلدي، معترفا لناخبيه أن “الدولة” لم تسمح له بأن يقوم بواجبه كنائب لهم، في الوقوف اتجاه ما رآه “مخالفات شرعية” في احتفالات الرياض بالعيد. وهذا ليس تأويلا لموقف الشيخ، بل هذا ما صرح به في اللقاء الذي أجري معه في القناة الإقتصادية.هذه الحادثة مهمة جدا، لأنها تمس أهم مكتسب شعبي في السنوات الثمان الأخيرة: الانتخابات.
هناك من “مطاوعة الليبرالية” من استغل الحادثة لتصفية حسابات مع الشيخ أو ما يتصور أن الشيخ يمثله كتيار. بل امتد الأمر بالبعض لتأييد المسؤول “ابن عياف” والثناء عليه، الذي لم يراعي كون المجلس يمثل “إرادة شعبية”.
شخصيا، لست مؤيدا لموقف الشيخ من الاحتفالات وشخصيا لا أؤيد منع الاختلاط، وشخصيا لا أتفق مع الوصاية على النساء، والتعامل معهن كقنابل موقوتة. ولكن، وهذا هو الأهم، أني مؤمن بالديمقراطية إيمانا كلي.
ومن هنا يكون الحفاظ عليها وتعزيز دورها وتجذير ثقافتها في المجتمع أهم بكثير من حفلة سيرك أو تيلي ماتش سيستغرق ثلاثة أيام أو أربعة!
ما حدث من النخب السعودية من صمت أو سلبية اتجاه موقف الشيخ السويلم، هو خيانة لرسالتهم وانحياز للسلطة لتشويه الانتخابات.
ببساطة، ماذا رأى الناس؟
رأى الناس أن من اختاروه يتم تصويره على أنه محارب للسعادة والفرح، وأن من تم تعيينه من قبل الدولة هو الذي “قلبه على سعادة الناس وفرحتهم”.
والنتيجة التلقائية لهذه الصورة، هو فقدان الثقة بالآلية الانتخابية، وتقليل أهميتها، بل قد تصل المسألة لمحاربتها والمطالبة بإلغاءها تحت ذريعة أنها لا تأتي إلا بالإسلاميين. وهناك من النخب من يطرح هذه القضية بشكل صريح.
ماذا فعل المثقفون؟ هل بددوا هذه الصورة؟ هل دعموا الشيخ – رغم الاختلاف في المواقف- من أجل تدعيم الديمقراطية وتعزيزها؟ للأسف، لم يفعلوا شيئا من ذلك، بل وقعوا – بكل غباء- في مصيدة السلطة، وتحولوا لأبواق يشرعنون من حيث لا يحسبون الاستبداد واستمراره!
إن دور المثقف العضوي، هو أن يعكس ضمير الناس، وأن يسعى لصالحهم. في حين لم يتعدى دور مثقفينا على أن تحولوا لمدافعين عن “احتفالات العيد”… وكأن احتفالات العيد هي التي تقلص الفقر، وتزيد الدخل، وتصلح القضاء، وتطور التعليم..!
إن النضال من أجل الديمقراطية، هو نضال من أجل الناس، من أجل الحقوق. وانطلاقا من هذه النقطة، تصبح الخلافات السخيفة حول الاختلاط والموسيقى وأكل الأفاعي والعاب السيرك، خلافات ثانوية جدا لا قيمة لها إزاء دعم العمل الديمقراطي.
إن ما قام به السويلم هو عمل مشروع، ولو لم نتفق معه، واستقالته هي موقف شجاع ونبيل وتوضيح لا مثيل له عن حجم الصلاحيات والقدرات التي يتمتع بها هذا المجلس. وبالتالي أتصور من المثقفين الذين يصمّون آذاننا بشعارات المجتمع المدني والديمقراطية، أن يساندوا الشيخ وأن يقفوا معه، وأن يجرموا استهتار ابن عياف بمن اختارهم الناس! حتى لو كانت نتيجة ذلك أن تصبح احتفالات العيد بلا معنى، أو أن تصبح قليلة البهجة… فهذه هي النتيجة القريبة فقط، بينما النتيجة الأبعد، والأهم، هو تدعيم الديمقراطية، وأنها قضية نضال لا يمكن القبول بالمساس بها، حتى وإن أتت بالاسلاميين!
تفويت الفرص التاريخية، هو ديدن النخب السعودية. واللعب على توسيع هامش الحرية، هو القضية المؤجلة لديهم، فهم مشغولون حتى أغطية أقلامهم بتدبيج المديح للحاكم أينما حل وارتحل. ولا يوجد مجتمع تقف نخبه دون تحرره كالنخب السعودية!
قد تأتي الديمقراطية بالاسلاميين، قد تأتي بمن يستغلونها، قد تأتي بمن لا يؤمنون بها، فهذه ليست مشكلتها، بل هي مشكلة وعي الناس بمصالحهم وأهميتها. ونشر هذا الوعي وتوضيحه وترسيخه والنضال من أجله هي مهمة المثقف الأولى.
هناك خلل واضح في الأولويات، وهناك استغراق كامل في جدليات الهوية، وهناك سلبية كاملة في التعاطي مع مشاكل الناس. فكم من الظواهر الاجتماعية الاقتصادية والسياسية، التي تستحق الدراسة والنظر في مجتمعنا؟ وعلى الرغم من كثرتها نجد مثقفينا مشغولين تماما بالاستغراق في الفلسفة، أو الاستغراق في تأويل النصوص الدينية، أو – وهذا أخس المثقفين وأحطهم- بخيانة الأمانة واستخدام المنابر للتسلق على جماجم الناس!
استقالة السويلم رسالة واضحة على تجاهل الدولة لمن اختارهم الناس. وما كنت أتمناه أن الاستقالة انبنت على قضية حقوق مسلوبة، لا قضية تتعلق بهوية المجتمع!
وهذا الأسبوع بدأت محاكمة قرابة 1000 متهم بالتورط بالعمليات الارهابية. وحتى الآن يتعاطى الإعلام بسلبية مع هذه الحادثة، فالمانشيتات العريضة أصدرت حكما مسبقا على المتهمين قبل انتهاء المحاكمة. فبعض المانشتات جاءت بصيغة: “بدء محاكمة الفئة الضالة”….
والسؤال: هل ستسغل النخب هذه الحادثة والنضال من أجل أن يكفلوا للمتهمين محاكمة عادلة لا محاكمة شكلانية؟ وهل ستسعى عبر هذه القضية لإصلاح النظام القضائي؟
إن كان ثم شيء أعرفه بشكل مسبق، فهو الإجابة على هذا السؤال: أن لا، لن تفعل النخب شيئا سوى تدبيج المديح لبطولات الداخلية.