تكاد تتفق التيارات الفكريّة السعوديّة على وصف مجتمعها بأنه مجتمع “محافظ”. ولكن بعد هذا الإتفاق، تعود فتختلف في كل شيء تقريبا: هل هذه المحافظة: “فضيلة”… علينا “حراستها”؟ أم أنها عقبة في وجه التحديث يجب إزالتها؟وأنا هنا، لن أتعرض لتصويب أو تخطئة أي من هذه الآراء، بل سأعود للوصف نفسه وسأتساءل: هل فعلا مجتمعنا: مجتمع محافظ؟
تكتفي غالبية التيارات الإسلامية بالإجابة بـ: نعم، فتمضي بعدها رافعة هذه المحافظة كهويّة لهذا المجتمع. هويّة تستند عليها في رفض أيّ مظهر من مظاهر التغيير الذي تعتبره “مهدّدا” لها. فتجد من بين هؤلاء من يقول: نحن نرفض هذا الشيء لأننا مجتمع محافظ له “خصوصيته”!
أما التيارات المتأثرة بالثقافة الغربيّة، فتجيب نفس الإجابة أيضا، ولكن مع فارق أن المحافظة تتحول بالنسبة لها إلى مبرّر رئيسي للمطالبة بالتغيير. فمن وجهة نظر متغرّبة، تغدو المحافظة تخلّفا، تغدو ظلاما، المطلوب إنارته والوصول به إلى “التحضّر”. الذي لن يعني شيئا أكثر من التماهي مع النموذج الغربي.
وهذه الأجوبة: أجوبة أيديولوجية. أي أنها لا تهتمّ فعلا بمدى اقترابها من حقيقة هذا المجتمع، بقدر ما يهمّها الخدمة التي ستبذلها هذه الأجوبة لمواقفها وآرائها ومطالباتها. فلأنه محافظ، على المرأة أن تقرّ في منزلها، وفي المقابل:حتى نتجاوز هذه المحافظة، عليها أن تتساوى مع الرجل!
وهنا نتساءل: ما الغائب وسط كل هذه المعمعة؟ إنه المجتمع نفسه! فهو يتحوّل إلى مجرد سلاح أيديولوجي يستخدمه كلّ تيّار لإثبات وجهة نظره. وهنا، عندما نصل إلى هذه المرحلة: ينفصل الفكر عن الواقع، فلا يغدو ممثلا له، ولا معبرا عن إشكالياته، وكذلك – وبالتأكيد- غير مؤهّل أبداً لمعالجة هذه الإشكاليات.
فالمطلوب: معرفة هذا المجتمع، لا “استخدامه” في معارك وهميّة، معرفته من خلال الدراسات الميدانية والإحصائيّات وقبل كل ذلك الاعتراف بأنه تجمع بشري، كغيره، فيه من المشاكل بقدر ما فيه من المزايا. هذا هو المطلوب، لا ما نراه اليوم من إخفاء وتغييب وتعمية لكل ظواهر هذا المجتمع، وما ذلك إلا من أجل الحفاظ على مقولة “المحافظة” وما تقدمه من خدمات أيديولوجية.
الخسران هو المجتمع بين هذا العراك المستمر
السؤال الاكثر الحاحا هو هل يوجد مجتمع بالاساس ؟، هل هناك حاله متماسكة عضويا ليتم تصنيفها كمجتمع ؟؟؟
بقول “محافظ” دلالة على الكمال والذي يعتبر من صفات الله وحده.
فهل يجوز القول على ان من يستخدم “المحافظه” يرتكب شركاً أصغر؟