غير مصنف

هل يمكن أن يوجد فرد لا منتم؟

يوم الأربعاء الماضي «١٠ نيسان (أبريل) 2013»، كتب تركي التركي في مجلة «المجلة» مقالة بعنوان «الديموقراطية ليست هي (الحل)!». وبغض النظر عن مضمون المقولة إلا أن ما لفت انتباهي فيها هو رفضه لمقولات التيارات الفكرية والحركات السياسية، انطلاقاً من كونه «فرداً لا منتمٍ»، وسأحاول في هذه المقالة أن أفهم ماذا يعني أن يكون الشخص «فرداً لا منتمياً»؟
ولكن قبل أن أبدأ، سأضع السياق الذي وردت فيه عبارة تركي التركي، إذ يقول الآتي: «لذلك أنا كفرد… لا منتمٍ، ولا يطمع في الانتماء لأي جماعة تتطلع إلى سلطة، ولم يفوّض أي جماعة للحديث باسمه، من حقي ألا أبحث بداية عن «حل» سياسي بقدر ما أبحث عن تعايش اجتماعي، لا تفرضه نظريات سياسية، تموت وتحيا بحسب المصلحة، بل توجبه «تربية» اجتماعية حرة ومسؤولة، أساسها القبول بقيم «الفردانية والتعدد والتنوع».
من ناحية مبدئية هناك فرق بين «الظهور» و«الاختفاء»، أن أظهر يعني أن أتجاوز حيزي الخاص وأجعل من نفسي مسموعاً ومرئياً من الآخرين الذين أتشارك معهم ميداناً عاماً يكفل لنا القدرة على «الظهور». Continue reading

وزارة العمل بين كارل ماركس وادم سميث

إن ما يربط البشر بعضهم ببعض هي العلاقات، وهذه العلاقات على نوعين: علاقات حميمية كالتي تنشأ بين الأحبة والأصدقاء، وأخرى تعاقدية كالتي تنشأ داخل مكان العمل بين أرباب العمل والعمال. والفرقان الجوهريان بين هذين النوعين من العلاقات هو أن الأولى تحدث «خارج القانون» ولا تفترض «الرضا» و«الاختيار» بالضرورة، فأحدنا لا يختار أمه مثلاً، في حين أن العلاقات التعاقدية، لأنها محكومة بعقود، فهي تحدث ضمن إطار قانوني محدد وتشترط رضا الطرفين بالعقد.
من هنا فإن العلاقة بين رب العمل والعامل هي في الأصل علاقة تعاقدية، يُفترض أن تكون برضا واختيار الطرفين ضمن إطار قانوني محدد. ومجرد اختلال قوة أحد الطرفين التفاوضية في التأثير على صيغة العقد يعني تحولها إلى علاقة استغلال.
سوق العمل في السعودية ليست سوقاً واحدة، بل هي سوقان: سوق العمل في القطاع العام، وسوق العمل في القطاع الخاص، ومنذ منتصف الستينات الميلادية كان العمل في القطاع العام أكثر جاذبية للعامل السعودي، وذلك نظراً لارتفاع الرواتب وقلة ساعات العمل والأمان الوظيفي، ونظراً لتوجه العمالة الوطنية للقطاع العام، وكذلك نظراً لقلتهم، فقد قام القطاع الخاص – وبمساعدة من الدولة لأجل القيام بأعباء التنمية – بتعبئة هذا الفراغ عبر استقدام العمالة الأجنبية، فنشأ بذلك سوقان: سوق العمل في القطاع العام بغالبيته الوطنية، Continue reading

العرب… بين زمانين

العرب يعيشون بين زمانين، لكل زمان منهما مسلماته وخطاباته و«عقله»، بل حتى واقعه، الخاص به، ولعل المثال الصارخ الذي يوضح هذا الأمر هو الانشطار في الفصائل الفلسطينية بين مشروعين: مشروع «بناء الدولة» من جهة، ومشروع «مقاومة الاحتلال» من جهة أخرى، مشروع بناء الدولة وعلاقة المواطن العربي بدولته ينتمي لزمان خاص به، ومشروع مقاومة الاحتلال واستعادة سيادة الأمة ينتمي لزمان خاص به هو أيضاً، والعرب يعيشون في هذين الزمانين في الوقت نفسه، يتكلمون بالخطابين معاً، يعبرون من هذا الزمان إلى ذاك، من دون أن يردموا الهوة التي تفصل هذين الزمانين عن بعضهما البعض.

حدث الانشطار في الزمان هذا كنتيجة لما دعاه عزمي بشارة يوماً بـ«المسألة العربية»، أي عندما لم تتمكن «الأمة العربية» من أن تستقل في «دولة» مثلها مثل باقي الأمم، بل استقلت إلى «مجموعة دول». هذه الحال لم تخلق «استقلالاً تاماً» للأمة، ولم تنهِ «الاحتلال» بشكل تام، بل خلقت «استقلالاً جزئياً» و«احتلالاً جزئياً»، أي أنها حال بين وبين، حال انفصلت فيها الدولة عن الأمة، فأصبح هناك زمان خاص بالأمة… وزمان خاص بالدولة. Continue reading

هل «العمل» سلعة مثل باقي السلع الاقتصادية؟

في ظل الجهود المتنوعة التي تقوم بها وزارة العمل من أجل التعاطي مع مشكلة البطالة، يبدو أن جانباً رئيساً من هذه القضية تم تجاهله، أو على الأقل لم يتم التعاطي معه بمستوى عالٍ من الأهمية، وهو علاقات القوة داخل بيئة العمل نفسه، فالطريقة التي تدير الوزارة بها الأمور تتم وكأن دورها ينتهي فور إيصال المواطن إلى باب منشأة ما، وتمكينه من إحدى الوظائف فيها، من دون التأمل عما يحدث خلف أسوار المنشأة وتراتبية علاقات القوة فيها.
ومرد هذا التجاهل في اعتقادي هو التصور المضمن في الاتجاه العام في عالم الاقتصاد على تصوير العمل بأنه سلعة متشابهة مع غيره من السلع، الأمر الذي يجعل «توزيعه» وكأنه عملية توزيع طلبات «البيتزا»، التي ينتهي دور من يوصلها عند عتبة منزل طالبيها… إلا أن العمل يختلف عن غيره من المنتجات في ثلاثة جوانب رئيسة، لخصها «روبرت براش» في مقالته المعنونة «كيف يكون العمل مختلفاً عن القرنبيط؟».
فمن الجهة الأولى: العمل – سواء من الناحية القانونية أو الاقتصادية أو الاخلاقية أو حتى الفيزيائية البحتة – هو «سلعة» لا يمكن فصلها عمن يقوم بالتزويد بها، ففي كل مرة يتم تبادل هذه السلعة فإن الإنسان الذي يقوم بتزويدها لابد أن يكون حاضراً… والعمل بهذا المعنى يصبح مختلفاً بشكل جوهري عن – على سبيل المثال – التفاح الذي يمكن شراؤه وبيعه وتداوله بشكل منفصل عن المُزارع الذي قام بزرعه، والشركة التي تقوم بتوزيعه، ومحل الخضار الذي يبيعه على المستخدم الأخير، وهذا الأخير – بعد شرائه للتفاح – يملك حق التصرف الكامل به: يضعه كزينة، يحوله عصيراً، يهديه، يتركه في الشمس، يأكله… إلخ، فهو حر تماماً في ما يفعل به بعد أن يتملكه… إلا أن هذا الأمر لو طبق على سلعة العمل، فإنه بشكل تلقائي سيحول العامل إلى عبد، لأن العمل لا يمكن فصله عن العامل… وبسبب عدم انفصال العمل عن العامل، نجد هذه القوانين الكثيرة التي تنظم العمل وبيئة العمل وحقوق العامل، ذلك أن السلعة التي يقدمها لا يمكن أن توجد من دونه.
الجانب الرئيس الذي يختلف فيه العمل – باعتباره سلعة – عن غيره من السلع هو أنه لا يمكن تخزينه… تقوم النظرية الاقتصادية الكلاسيكية على مسلمة أن البائع والمشتري أحرار في تعاقداتهم… إن بائع السيارات – على سبيل المثال – إذا لم تعجبه الأسعار التي يعرضها المشترون، فإن بإمكانه أن يمتنع عن البيع، وأن يقوم باستخدام السيارة لنفسه، أو ركنها جانباً – أي تخزينها – حتى يستطيع بيعها بالسعر الذي يراه مناسباً… هذه الخاصية – القابلية للتخزين – تُعطي البائع قدرة تفاوضية كبيرة مع المشتري، وبالتالي يصبح بإمكانه أن يبيع سلعته بسعر قريب جداً من السعر الذي يريده… في حال العامل، الوضع مختلف، فالعامل لا يستطيع تخزين عمله – إذ إن كل يوم يمر يتحول تلقائياً إلى جزء من الماضي الذي لا يمكن استرداده – وبالتالي تضعف قوته التفاوضية.
ما يدفع بائع السيارات إلى «تخزين» سلعته، والصبر حتى تصل الأسعار للمستوى الذي يريده، هو أن لديه ما يسد به حاجته ولا يضطره إلى البيع… بالمقابل، فإن ما يدفع العامل بشكل العام إلى بيع عمله هو شعوره بالاضطرار والحاجة، الأمر الذي يزيد موضعه التفاوضي سوءاً، فهو إضافة إلى عدم قدرته على تخزين سلعته، فهو أيضاً لا يملك من الرفاه ما يجعله يصبر على عدم البيع، بل تدفعه حاجته واضطراره – أي حاجته لتأمين لقمة عيش ومسكن وملبس – إلى الرضا بأسعار متدنية جداً… إن هذا التفريق بين «الحاجيات» و«الكماليات» – كما يقول «براش» – لهو أمر جوهري لمعرفة آثار عدم قابلية سلعة العمل على التخزين على الإسهام في تحسين فرص رب العمل على التفاوض بشكل أفضل بكثير من العامل، بل إن إلحاح الحاجة قد يدفع العامل إلى التضحية بكامل قدراته التفاوضية لمصلحة تأمين أي عمل يسد له حاجاته الرئيسة.
أخيراً، تأتي خاصية أن العمل يتمتع بالوعي الذاتي كثالثة هذه الجوانب التي تميز العمل عن باقي السلع المحيطة… فكون الإنسان يحس ويعي ما حوله، هذا لن يجعله مثل الأحذية في عدم مبالاتها في استخدامات مالكيها لها وتعاملاتهم المتنوعة بها، لن يشتكي حذاء مثلاً لأن حذاءً آخر مماثلاً له بيع بسعر مختلف… فهذه السمات سمات بشرية بحتة، فوحدهم البشر هم الذين يتأملون وضعهم ويقارنون بين أنفسهم وبين غيرهم، ما يجعل خدش حس العدالة أو الجمال – كالتمييز بين من يقومون بالعمل نفسه بالعطاء، أو وضعهم في بيئة عمل غير مناسبة لذائقتهم – لديهم أمر مضر كضرر نقص المعاش على إنتاجية العامل نفسه… فالعمال ليسوا مجرد أداة سلبية بيد صاحب العمل يتحكم بها كيف يشاء، بل هم كائنات تفكر بالكيفية التي يتم التعامل معها بها ومكانتها وتقارن وتحكم وتتأثر وتتذكر.
هذه الجوانب الرئيسة تجعل العمل أمراً مختلفاً عن «البيتزا»، وبالتالي لا ينهي مسؤولية «توزيعه» عند إيصاله إلى أبواب منشآت العمل، بل ما هو مهم ورئيس، وأشد أولوية هو تمكين العمال وتقويتهم، بحيث تكون قدراتهم التفاوضية مع أرباب عملهم عالية بطريقة تمنع استغلالهم.

نقطتان حول الليبرالية العربية

ثمة نقد سائد لدى الأوساط المناوئة لليبراليين العرب، يقوم على عملية فصل بين «الليبرالية العربية»، و«الليبرالية الغربية»، معتبراً الأخيرة هي «الليبرالية الحقّة»، في حين أن الأولى ما هي إلا نسخة كاريكاتورية متصالحة مع أنظمة الاستبداد العربية.
في رأيي أن عملية الفصل هذه غير مبررة، وذلك لسببين متداخلين… الأول: أن المسكوت عنه، في مثل عملية الفصل هذه، هو أنه لا توجد أي مشكلة مع «الليبرالية الحقّة»، إنما كل المشكلة في عملية «تشويهها»، أما الثاني – وهو متداخل مع الأول – في أن هذا الفصل هو في نهاية الأمر «ليبرالي»، إذ إن نقده لليبرالية العربية، هو في كونها «ليست ليبرالية كفاية».
الآن، بعد نفينا لمثل هذا الفصل بين الليبرالية العربية، والليبرالية الغربية، هل هذا يعني أننا يجب أن نتعامل معهما باعتبار أنهما أيديولوجيا واحدة؟ جوابي هو: «نعم، ولا»… وسأوضح الجواب بشكل أكثر تفصيلاً على شكل نقطتين. Continue reading

بؤس الإنسانوية

”لو كنت قائداً عربياً، لما هادنت اسرائيل أبداً. هذا طبيعي: لقد احتللنا بلادهم. نعم نحن نرجع بأصولنا إلى إسرائيل، ولكن هذا كان قبل ألفي سنة، فماذا يعني هذا لهم؟. نعم لقد كانت هناك معاداة للسامية ، وكانت هناك نازية، وهتلر، ومعتقل آوشوتز، ولكن هل كان أي من هذا خطأهم؟ هم فقط يرون شيئاً واحداً: أننا أتينا هنا وسرقنا بلادهم، فما الذي يجعلهم يقبلون بذلك؟“

ديفيد بن غوريون- أحد الآباء المؤسسين لـ”دولة اسرائيل”

”الاحتلال مسألة واضحة جداً وما تقتضيه مُدرك بشكل دقيق لدى كل عاقل من العرب واليهود. فهناك هدف واحد فقط للاحتلال، وهذا الهدف هو قطعاً مرفوض لدى عرب هذه البلاد، وهذه ردة فعل طبيعية ولا شيء سيغير منها“

زئيف جابوتنسكي- مؤسس اليمين الإسرائيلي

وضوح متبدد:

لا شيء يضر أي قضية في العالم أكثر من أن يتبدد وضوحها، ولا شيء أكثر من تطاول الزمان يمكنه تبديد هذا الوضوح. فالقضية تكون واضحة في البداية، لا يتساءل مناضلوها حولها، بل يتساءلون حول وسائل حلها، لكن ما إن يتأخر هذا الحل، وتزداد القضية تعقيداً، وتتداخل فيها أطراف متعددة، حتى يبدأ التساؤل بالانتقال من وسائل تحقيق الحل إلى التساؤل حول القضية نفسها. الثورة السورية على سبيل المثال كانت شديدة الوضوح في بدايتها، حيث أنها ثورة الشعب المظلوم ضد النظام الظالم، وهي سعي حثيث نحو الحرية والعدالة، لكن ما إن طال أمدها، حتى بات هذا الوضوح يتبدد، فأصبح الثوار ”معارضة“، واختل الخط الفاصل بين ”الثورة“ و”الجهاد“، وبدأ الصراع ينتقل من كونه صراعاً لأجل التحرر من الاستبداد، إلى صراع بين ”أهل السنة والصفوية/العلوية“. صحيح أن اللحظات الحاسمة في تواريخ الأمم والمجتمعات- كلحظات الثورة، النضال من أجل الاستقلال، المقاومة…- تُظهر في الشعوب أفضل ما فيها في البدايات، لكن ما إن يتطاول الأمد حتى تبدأ بإظهار أوساخها، تظهر الخيانة، والتنكر للقضية، ترتفع المصالح الخاصة لتغطي المصلحة العامة، وتتشوش القضية فتتفرق ردود الفعل.

لا شيء في تاريخ العرب الحديث يؤكد هذا الأمر أكثر من قضية فلسطين، فالوضوح الذي قاد الجيوش العربية لدول مصر والأردن وسوريا والعراق ولبنان والسعودية وفرق المقاومة الفلسطينية لحرب ٤٨ بعد أيام قليلة من إعلان دولة اسرائيل قد تبدد، والآن، بعد سبعة عقود، تحولت قضية فلسطين من قضية ”عربية“ إلى قضية ”فلسطينية“، وتحولت الدول التي واجهت اسرائيل أكثر من مرة- كالأردن ومصر- إلى دول مسالمة، وتلاشى خيار التحرير لصالح عملية سلام هي في حقيقتها عملية استسلام ممنهج، وانتقل الموضوع من كونه ”تحرير الأرض المحتلة“ إلى ”بناء دولة فلسطينية في غزة والضفة“، وبالإضافة لهذا الخط – الذي تسميه الولايات المتحدة بالمعتدل- نجد أيضاً نمو ظاهرة المتصهينين العرب، الذين يسعون لترديد دعاية اسرائيل- الديمقراطية، المتقدمة،…إلخ- مقابل ازدراء وتشفي غريب من الفلسطينيين. Continue reading

هل للربيع العربي نتائج؟

لا توجد سطحية أكثر من اختصار الربيع العربي بنتائج الانتخابات في الدول العربية التي حدثت فيها الثورات، فالثورة الفرنسية لا يمكن بأي حال من الأحوال اختزالها بكون «اليعاقبة» تسلموا زمام الحكم فيها، كما أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اختزال ثورة تشرين الأول (أكتوبر) في كون الشيوعيين تسلموا الحكم فيها، إلا أن هذا الخلط بين المسألتين ورد إحداهما للأخرى، هو السمة الغالبة على بعض الكُتّاب الذين يتسابقون إلى إعلان نهاية الربيع العربي، وبأن نتيجته كانت – بالنسبة لهم – «مخيبة للآمال» Continue reading

حول مشروع الإبتعاث: رداً على محمود عبدالغني صباغ

قبل أسبوع تقريبا، كتب المدوّن السعودي محمود صبّاغ، طالب كلية الصحافة في جامعة كولومبيا- واحدة من “جامعات النخبة” الأمريكية، كما يحب أن يسميها- عن ما سماه جناية الذهنية الريعية على مشروع الابتعاث موجها بعض الانتقادات لإدارة هذا البرنامج تنطلق من نظرته لما سماه “الذهنية الريعية” ومقترحا تسليم البرنامج – وما بين علامتي تنصيص كلامه هو- ” لمؤسسة عامة مستقلة، تعمل بأسس تجارية، تحمل اسم خادم الحرمين الشريفين، تقوم باعادة توضيب كل متعلقات هذا الملف النهضوي والحيوي كما يجدر ان يكون”.

بنى صبّاغ انتقاده على المحاور التالية:

١- أن الأعداد الحقيقية للطلاب السعوديين- مبتعثين أو غير مبتعثين في كافة المراحل الجامعية والمعاهد والأو بي تي- في الولايات المتحدة هو ٣٤١٣٩ طالب. واعتبر أن هذا الرقم يختلف جذريا عن الأرقام الضخمة التي تنشرها الملحقية، معتبرا ذلك مثالا صارخا على ما يسميه بـ”الذهنية الريعية” التي تقدم الكم على الكيف والتضخيم الإعلامي لهذا المنجز الكمي ليس في موضوع الابتعاث فقط بل في غيره من عدد جامعات وما إلى ذلك.

٢- وللتأكيد على هذه العقلية الريعية المنحازة للكم على حساب الكيف، يقدم صباغ نموذجا آخرا وهو عدد الطلاب في ما يسميه “جامعات النخبة”، وكيف أن عددهم في هذه الجامعات قليل نسبيا بالمقارنة بتمثيل دول الجوار الاقليمي مما يؤكد تركيز إدارة البرنامج على الكم لا الكيف.

ومن هذين المحورين أعلن صبّاغ فشل وزارة التعليم- بل تحديدا فشل “الذهنية الريعية”- في إدارة ملف الابتعاث وطالب بتسليمه لمؤسسة
مستقلة.

يمكن القول بشكل مختصر، أن تدوينة صبّاغ لا تعكس، إن كانت تعكس شيئا، إلا فشل “جامعات النخبة” في تأهيل طلابها للقيام بأبسط أبجديات البحث عن المعلومة والدقة في توظيف المفاهيم للوصول لنتائج متسقة ودقيقة وواضحة.

وهذا الكلام الذي اختصرناه هنا، سنقوم بإثباته عبر النقاط التالية:
1- كم عدد الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة الأميركية؟
في هجومه على الأرقام التي تصدر من ملحق المملكة في أمريكا، قام محمود صبّاغ بالاستناد على أرقام معهد التعليم الدولي، معتبرا إياها أرقاما “معصومة” لا يأتيها الباطل من فوقها ولا من تحتها. ما فات طالب كلية الصحافة في إحدى “جامعات النخبة” الأميركية هو أن يتساءل “علام يستند معهد التعليم الدولي في أرقامه؟” قبل أن يقوم بتوظيفها كحقيقة دامغة يدين فيها تصريحات الملحقية. إذ بالتوجه إلى صفحة “أسئلة
شائعة” في موقع المعهد سنجد السؤال التالي: “كيف يتم جمع المعلومات المتعلقة بالطلبة الدوليين؟”، وتأتي الإجابة كالتالي: ” يتم الحصول على البيانات المدرجة في تقرير أوبن دوور السنوي عبر إرسال إحصائيات لحوالي ٣ آلاف مؤسسة تعليم عالي أميركية معتمدة، حيث تقوم كل واحدة منها بتوفير المعلومات عن الطلبة الدوليين المسجلين لديها….”. فهي من الناحية المبدئية لا تقوم بأخذ معلومات كل الجامعات الأميركية، إذ أن عدد المؤسسات الأكاديمية الأميركية التي تمنح درجات علمية بحسب المركز الوطني للإحصاءات التعليمية في عام ٢٠٠٩/٢٠١٠ هو حوالي ٤٥٠٠ مؤسسة. إلا أن هذا الرقم بطبيعة الحال لا يشمل معاهد اللغة والمراكز التي تقدم دورات تدريبية على اختبارات الجي آر إيه والجيمات وغيرها. وبحسب موقع الجهة المسؤولة عن الهجرة والطلبة الأجانب في الولايات المتحدة الأميركية، فإن عدد المؤسسات التي لها الحق بتقديم خدمات تعليمية للطلاب الدوليين هو ٩٦٧٥ مؤسسة.

ليس هذا فقط، إذ أنه وبحسب المركز الوطني للإحصاءات التعليمية أيضا، فإن نسبة المؤسسات التي تستجيب مع الاحصائية التي يقوم بها معهد التعليم الدولي كانت في عام ٢٠٠٩/٢٠١٠ حوالي ٦٣٪، أي أنه من أصل ٢٦٧٣ مؤسسة طلبت معلوماتها لم تستجب إلا ١٦٨٤ مؤسسة تعليمية. وهذا يعني أن هذه الأرقام تعبر فقط عن عينة من الجامعات الأميركية وليس كل الجامعات ولا كل الطلاب وبالتالي لا يمكن أخذ أرقامها على أنها تحمل أي دلالة في هذا الموضوع.

يعضّد من هذه النتيجة أننا لو اتجهنا إلى تقرير لمؤسسة أخرى فإننا سنجد رقما آخرا، فمنظمة اليونسكو، التي هي إحدى شركاء معهد التعليم الدولي، في تقريرها السنوي عن اتجاهات تنقلات الطلبة الدوليين تقدم رقما مختلفا عن عدد الطلبة السعوديين في الولايات المتحدة الأميريكية في عام ٢٠١٠/٢٠١١. فالرقم الذي تقدمه للطلبة المنتظمين في مؤسسات تعليمية (active students) تلك السنة – أي بدون المرافقين- هو 43910 طالب، أي أكثر بعشرة آلاف من الرقم الذي يقدمه صبّاغ لعام ٢٠١٢ بعد التحاق أفواج أخرى من الطلاب الجدد!

إلا أن هذا الرقم أيضا ليس رقما “حقيقيا”، بل هو رقم تقريبي، إذ أن الرقم الأشد قربا للحقيقة هو الرقم الذي تقدمه سلطات الهجرة الأميركية وهم بحسب تقريرهم الربع سنوي الذي أصدروه في ١ أكتوبر من عام ٢٠١٢ فإنهم يذكرون أن عدد الطلاب السعوديين المنتظمين بمؤسسات تعليمية – أي بدون المرافقين- هو ٥٧٢١١ طالب– كما هو مبين بالشكل التالي المقتبس من تقريرهم:

Screen Shot 2013-02-27 at 4.30.17 AM 1

وهذا الرقم قريب جدا من الرقم الذي ذكره الملحق الثقافي في أغسطس من عام ٢٠١٢، أي ٦٤ ألف طالب، إذا اعتبرنا أن نسبة كبيرة من زوجات وأزواج المبتعثين يحملون فيزا إف تو والتي لا تجعلهم طلابا منتظمين (active students) بحسب توصيف سلطات الهجرة الأميركية، ويظل الرقم قريبا حتى بعد خصم الدارسين على حسابهم.

يبقى أن تصريحات الملحقية- أو نقل الصحف عنها- يعاني من مشكلة في التفريق بين عدد الطلاب المبتعثين وبين عدد الطلاب مع ذويهم، كما أن الصعود السريع في الأرقام متفهم اذا اخذنا بالاعتبار أن زيادة الطلاب السعوديين من عام٢٠١٠ إلى ٢٠١١ كانت بحدود الخمسين بالمائة بحسب تقرير اليونسكو.

أخيرا، لإن كانت السعودية هي الرابعة من حيث عدد الطلاب في الولايات المتحدة، فهي الأولى من حيث نسبة الطلبة المبتعثين إلى أمريكا إلى عدد سكانها. فبين كل ٣٣٩ مواطن سعودي هناك طالب مبتعث إلى الولايات المتحدة الأميركية، في حين أن هناك طالب صيني لكل ٥٢٢٦ مواطن صيني، وهذه النسبة ستتقلص أكثر إذا اضفنا عدد الطلبة المبتعثين في بقية البلدان، والذين يبلغ عددهم حسب تصريح الوزارة ١٠٦ ألف، لتصبح طالب مبتعث لكل ١٨٣ مواطن، أي يمكن القول بشيء من المبالغة- باعتبار أن ثلثي السعوديين أقل من عشرين عاما- أن هناك تقريبا في كل أسرة سعودية يوجد مبتعث أو مبتعثة.

وبعد هذا الاستعراض لمشكلة “عدد الطلاب في أميركا” سنجد أن محمود صبّاغ- طالب جامعة كولومبيا- تعامل مع أرقام المعهد الدولي بشكل غير علمي، معتبرا اياها “احصاءات رسمية” أولا، وبانيا عليها حكما قاسيا على تصريحات الأجهزة الحكومية التي اتضح أن ارقامها أقرب إلى الأرقام الأميركية من المعهد الدولي ثانيا.

٢- أسطورة “جامعات النخبة”

هناك أربعة أسئلة أساسية حول محور “جامعات النخبة” الذي قام صبّاغ من خلاله بمحاربة وزارة التعليم العالي:

١- هل هذه التقييمات التي تقدم يمكن اعتمادها كمعيار نهائي يمكن الاحتكام عليه؟ لن أخوض في المشاكل الأساسية التي تعتري هذه التقييمات والتي يكفي لمعرفة مدى سوءها مشاهدة كيف استطاعت جامعة الملك سعود أن تصعد على سلمها بشكل سريع ومريب وذلك فقط باجراء بعض التعديلات التي تتناسب مع مقاييسها دون تغيير جوهري في نظامها التعليمي. وهذا الأمر يعيبه جدا صبّاغ، لكنه في نفس الوقت الذي يعيب الجامعات السعودية على التسابق للحصول على تقييمات عالية، يقوم باستخدام هذا المعيار كمقياس يحاكم به برنامج الابتعاث، فهو إما أن يقبل بهذه التقييمات وبالتالي يقبل أن جامعة الملك سعود من ضمن أفضل ٤٠٠ جامعة في العالم، أو أن يرفضها وبالتالي لا يحاكم برنامج الابتعاث بها.

٢- لو سلمنا جدلا بأن هذه التقييمات سليمة، فإن هذا ليس أمرا كافيا لأن يعتبر صبّاغ برنامج الابتعاث “ريعي” فقط لأن نسبة الطلاب السعوديين قليلة في “جامعات النخبة”. الطريقة الوحيدة لصبّاغ أن يثبت نقطته هي ألا ينظر لجامعات النخبة، بل ينظر إلى معايير الاعتماد الاكاديمي. أي على أي أساس تقوم وزارة التعليم العالي بقبول ورفض برنامج دراسي ما، وعبر تقييم هذه المعايير يمكنه أن يخرج بنتيجة تحدد ما إذا كان البرنامج يركز على الكم لا على الكيف.

٣- ولو افترضنا أن الدراسة في جامعات النخبة مؤشر على “الذهنية الريعية” لإدارة الابتعاث، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا خمسة؟ لماذا ليس العشرين الأولى؟ الثلاثين الأولى؟ لا يوجد مؤشر لاختيار رقم خمسة سوى الاعتباط المحض.

٤- ولو افترضنا أن رقم خمسة له قدسية معينة ويمكن اعتباره مؤشرا على الذهنية الريعية، فلماذا اعتمده صبّاغ على الجامعة بشكل عام؟ لماذا لم يعتمده على كل برنامج على حدة. فأفضل خمس جامعات في الهندسة، ليست هي أفضل خمس جامعات في الإعلام، ليست هي أفضل خمس جامعات في الطب…إلخ. مرة أخرى، إن اكتفاؤه بتقييم الجامعة عوضها عن تقييم التخصص، هو اعتباط محض.

خاتمة

ليس الهدف من هذه التدوينة هو الدفاع عن برنامج الابتعاث، بل هو لأجل عدم الاغترار بالنقودات التي تبدو في ظاهرها علمية في حين أننا حين تفحصها نجدها لا تقوم إلا على أسس هشة. لنأخذ مثلا التوصية التي يقدمها صبّاغ، فهو يريد مؤسسة عامة بديلة عن وزارة التعليم العالي لتولي برنامج الابتعاث، والسبب في ذلك هو التحرر من البيروقراطية. إن “البيروقراطية” تبدو هنا بمعناها العامي كـ”حكم أخلاقي” أكثر من كونها مفهوم يصوّر “سمة إدارية”، فكل جهاز إداري معقد هو جهاز بيروقراطي، حتى المؤسسة التي يبشر بها صبّاغ، ستكون رغما عنها مؤسسة بيروقراطية. فالتحرر من البيروقراطية- كما تحدث عن ذلك يوما ماكس فيبر قبل قرن من الزمان- هو من المستحيلات لكل مؤسسة تحتوي على مجموعة بشرية كبيرة.

إن برنامج الابتعاث بحاجة إلى النقد، فهو كما وضحنا يمس كل أسرة سعودية، والنقد الذي يحتاجه متعدد الأبعاد (سياسي-أخلاقي-إداري-اقتصادي…إلخ)، لكن النقد الذي قدمه محمود صبّاغ- على رغم كونه طالبا في إحدى “جامعات النخبة”- لا يمكن تصنيفه أبدا ضمن هذا النوع من النقد، بل أقصى ما يمكن وصفه به هجائية مرصعة ببعض الارقام هنا وهناك.

هل الفلسفة الأوروبية الحديثة عنصرية؟

التصوّر السائد حول الفلسفة الأوروبية الحديثة – أي تلك الفلسفة التي تغطي الفترة ما بين القرن الـ17 حتى القرن الـ19، فلسفة ديكارت وسبينوزا وهيوم وهوبز ولوك وكانت وماركس ونيتشة وجون ستيوارت ميل وجان جاك روسو… إلخ – أنها الفلسفة التي تضع سمو الإنسان والعقل البشري في قلب تصوراتها وتنظيراتها حول كل شيء، إلا أن هذا التصوّر تم تحديه من عدد الباحثين الذين نظروا إلى هذه الفلسفة ضمن سياقها التاريخي، سياق تعرّف الأوروبي على الآخر غير الأوروبي، سياق اكتشاف العالم الجديد، وسياق الاستعمار وظهور العنصرية باعتبارها ظاهرة حديثة، فطرحوا هذا التساؤل: هل كانت هذه الفلسفة بتياراتها الكبرى – العقلانية، التجريبية، الليبرالية، نظرية العقد الاجتماعي – عنصرية أم لا؟ سنستعرض هنا بعض الأجوبة عن هذا التساؤل.
أحد هذه الأجوبة قدمها مفكرون مثل ريتشارد بوبكين وهاري براكن ونعوم تشومسكي، إذ يقوم على النظر إلى مدى تكيّف بعض التيارات الفلسفية مع العنصرية من عدمها، فهؤلاء المفكرون سوية يؤكدون على أن التجريبية – أي ذلك التيّار الذي يؤكد على أن معرفتنا نستمدها بشكل كامل من خلال تجاربنا الحسية – أكثر تقبلاً وتناسباً مع الأفكار العنصرية من العقلانية – وهي التيار الذي يؤكد على أن نتحصل على معرفتنا بطرق مستقلة عن تجاربنا الحسية كالحدس، أو معرفة قبلية كامنة، أو نوع من الفطرة الطبيعية، والسبب في ذلك هو أن التجريبيين باعتمادهم على التجارب الحسية يقومون برفض دعاوى مشتركات جوهرية أو فطرية بين الناس، الأمر الذي يمهد الطريق لتحويل الاختلافات والفروقات المشاهدة بين البشر إلى قوالب عنصرية.
هذا الرأي تمت مواجهته من عدد من الباحثين، وذلك بالتأكيد أن النقيض هو الصحيح، أي أن العقلانية هي التيار الداعم للعنصرية بشكل أكبر من التجريبية. يقول جون سيرل – كما ينقل عنه آندرو فالز – «لا يحتاج الأمر إلا إلى خطوة واحدة للانتقال من النظرية الديكارتية حول العقل إلى نظرية الاستعلاء العنصرية في حين أنه سيحتاج لأكثر من ذلك لو قررنا الانتقال من نظرية هيوم، وذلك لأنك إن آمنت أن هناك بنى ذهنية فطرية، فإنك على مقربة خطوة واحدة من أن تجادل أن البنى الذهنية لعرف ما أفضل أو أسوأ من تلك التي تتعلق بعرف آخر». في حين أن باحثة أخرى تأكد مثل هذه النظرة عبر الإشارة إلى أن تأكيد التجريبيين على عدم وجود أي معرفة مسبقة وفطرية فإنهم يمهدون الطريق لمنهجية معرفية تؤصل للتسامح.
في كتابه «العنصرية: تاريخ مختصر»، يؤكد جورج فريدريكسون على أن العنصرية كظاهرة حديثة قد تكون مرتبطة بشكل رئيس بدعوى عالمية المعايير العقلانية والأخلاقية التي نادت بها غالبية تيارات الفكر الحديث. ذلك أنه لا وجود لحاجة إلى التفريق بين البشر بشكل عنصري إذا كنت تنطلق ابتداءً من رؤية هرمية ولا تفترض المساواة بين البشر في ما يتعلق بالمسائل الأخلاقية والعقلية، لكن بمجرد ما تفترض تساوي البشر في هذا الأمر فإن الحاجة ستبرز إلى تفسير وتبرير عدم التساوي الموجود على أرض الواقع، ومن هنا سيكون الباب مشرعاً على مصراعيه لأنواع الأفكار العنصرية كافة.
من جهة أخرى، نجد ديفيد ثيو غولدبرج في كتابه «ثقافة عنصرية: فلسفة وسياسات المعنى»، يؤكد على أن العنصرية «تقع في قلب روح التنوير العقلانية»، وهو من هذه الزاوية يعتبر التفريق بين العقلانية والتجريبية في مدى استجابتهما للعنصرية لا معنى له، معتبراً كل هذه التيارات تدعم وسهلة التكيف مع العنصرية، ليس هذا فقط، بل إن غولدبرج يؤكد على أن الليبرالية الحديثة – انطلاقاً من كونها نشأت بالتوازي مع العنصرية وبشكل متداخل معها – تحمل في داخلها عنصرية مضمرة، خصوصاً في محاولتها تطبيع الفروقات التي تضفيها على معاني العقلانية التي تميز الأوروبي عن غيره.
أما في ما يتعلق بنظرية العقد الاجتماعي – أحد أهم أدوات الفلسفة السياسية الحديثة – التي تم تدشينها من هوبز وتطويرها عبر جون لوك وجان جاك روسو، فإن تشارلز ميل في كتابه «العقد العنصري» يؤكد على أنه على رغم مظهرها العالمي إلا أنها تمت صياغتها بشكل عنصري، إذ بحسب تأويله، أن هذا العقد كان عقداً بين الرجال البيض، وأن محتواه ومضمونه كان يتعلق بشكل أساسي حول إقصاء غير البيض وكيفية استغلالهم، ففي تتبعه لكتابات كل من هوبز ولوك وروسو وكانط سعى ميل – كما استعرض ذلك فالز – في كل مرة على إبراز كيف أن أطراف العقد هم من البيض الأوروبيين، وأن غير الأبيض إما أنه غير مؤهل للمشاركة في هذا التعاقد، أو أنه يستبعد ببساطة وبالتالي لا يتم التعامل معه بحسب قيود العقد والتزاماته.
وبعد، فهل الفلسفة الأوروبية الحديثة عنصرية؟ إن بحث مثل هذا التساؤل ضمن المجال العربي يطرح نوعاً محدداً من الصعوبة، نظراً لكون الفلسفة الأوروبية عندما اقتحمت المجال العربي قامت باقتحامه باعتبارها نوعاً من أنواع المقدس. وانطلاقاً من هذا التصوّر انقسم غالبية العرب إزاءها قسمين: قسم آمن بها ويدافع عنها دفاعه عن المقدس، وقسم كفر بها ويهاجمها هجومه على المدنس، إلا أن المطلوب هو درس هذا التراث الفكري عبر نزع القداسة عنه، أي درسه ضمن سياقه التاريخي البشري، أي تجاوز تقديسه وتدنيسه في آن معاً من أجل تعاطٍ مناسب ومفيد في الوقت نفسه معه.