في منتصف القرن الـ17 كتب السيد «روبرت فيلمر» كتاباً بعنوان «الأبوية»، يدافع فيه عن نظرية «الحق الإلهي للملوك»، فرد عليه بعد بضعة عقود «جون لوك» في كتابه «مقالتان في الحكومة»، كانت إحدى الحجج التي استخدمها «جون لوك» ضد «فيلمر» هي أن نظرية هذا الأخير تجعل المواطنين الإنكليز مستعبدين للملك، وأن حال الاستعباد «حال بئيسة وبغيضة للإنسان»، وبالتالي فإن «لوك» لا يبيح استعباد الآخرين إلا ضمن حرب عادلة، أي في رد اعتداء معتدٍ، وأن يحصر الاستعباد في الرجال المقاتلين ومعاونيهم فقط… المقالة الثانية من الكتاب تعتبر واحدة من النصوص الرئيسة في الفكر الليبرالي الكلاسيكي في الدفاع عن «الحقوق الطبيعية» للفرد – الحرية، الملكية، الحياة – وفي التنظير لحدود الحكومة العادلة وفصل السلطات وتسويغ التمرد عليها إن كانت ظالمة.
ما يثير الاستغراب في هذا النص المدافع عن الحريات، الذي يعتبر حال العبودية «حال بئيسة وبغيضة»، هو أن يكون صادراً من جون لوك، ذلك أن جون لوك كان أحد المستثمرين في شركة نالت احتكار تجارة العبيد – عبيد لم يستعبدوا جرّاء حرب عادلة وكانوا مكونين من نساء وأطفال – في ساحل أفريقيا الغربي، وكذلك في «الشركة الأفريقية الملكية»، التي قامت بتصدير 90 ألف عبد، في سنواتها الـ16 الأولى، إلى حقول الزراعة في المستعمرات الأميركية. Continue reading
غير مصنف
ورقة في منتدى تواصل: تأملات حول حقوق الانسان (فيديو)
هذه ورقة ألقيتها في منتدى تواصل في الرياض بتاريخ ٧ يناير
٢٠١٣: http://youtu.be/pKSIzNoUiXA
علاقة الليبرالية بالاستعمار والهيمنة
في عام ١٨٥٩، نشر جون ستيوارت ميل كتابه المعنون بـ«عن الحرية». في هذا الكتاب، يؤكّد ميل أنه سيتناول موضوع الحرية بطريقة جديدة، لم يتم تناولها بها قبله. ووجه الاختلاف تحديداً أن سابقيه كانوا يتناولون موضوع الحرية في إطار الصراع مع السلطة السياسية المستبدة، ما جعل معنى الحرية هو تحصيل الحريات والحقوق السياسية الأساسية. لكنه يؤكد أن هذا النوع من الحرية في عصره بات منتشراً، وأن طغياناً جديداً ظهر، وهو الذي سيتوجه للحديث عنه في مقالته.
هذا الطغيان الجديد تولّد من رحم الإنجاز السابق، فبعد انتشار الديموقراطية في بعض الدول الأوروبية في وقته، أصبحت الحكومات المنتخبة تمثّل معظم الشعب، باتت هذه الأخيرة تهدد حرية الفرد والأقليات بشكلٍ كبيرٍ. أي أن السلطة التي كتب ميل كتابه «عن الحرية» لمواجهتها لم تكن السلطة السياسية، بقدر ما كانت سلطة المجتمع الذي يسعى، سواء عبر وسائل قانونية أم اجتماعية، إلى فرض نوع من التجانس، ومعاقبة المتمردين والساعين نحو التميز، والحجة الرئيسة التي قدّمها في كتابه، دفاعاً عن الحرية ضد هذا الخطر الجديد، وهو التفريق بين مستويين من أفعال الفرد، مستوى لا تؤثر فيه أفعاله إلا عليه هو وحده، ومستوى تؤثر أفعاله هذه في الآخرين. Continue reading
لماذا أنا أرفض أن أكون “لبراليا سعوديا”؟
ثالوث المشاكل السياسية:
كمواطنون عرب، نحن نواجه ثلاث مشاكل أساسية وجوهرية:
1-مشكلة في الهوية: وهذه المشكلة لها بعدين: بعد خارجي وبعد داخلي. أما البعد الخارجي فما نشاهده من خطاب عنصري وجوهراني ضد العرب والمسلمين بشكل عام (أنهم وحشيين، ظلاميين، شهوانيين، ذكوريين…إلخ). وأما البعد الداخلي وهو أن دولهم تتجاهل قضاياهم الكبرى كأمة عربية (فلسطين، سوريا، العراق، الصومال، النفط، الوجود العسكري الغربي، التبعية السياسية، الفقر، البطالة، التخلف…إلخ)، أي أن الدول التي ينتمون إليها لا تتبنى قضاياهم.
ومن خلال هذين البعدين تنشأ مشاكل وأزمات كثيرة مرتبطة بموضوع الهوية، آخرها أزمة الفلم المسيء للرسول، فباعتقادي لا يمكن فهم التفاعلات التي انتجها هذا الفلم إلا داخل سياق أزمة الهوية هذه.
2- مشكلة في الحقوق السياسية: فالعرب ليسوا مواطنين في دولهم، أي أن حقوق المواطنة الأساسية (حق التصويت والترشح لمناصب السلطة والحكم) محرومين منها (ما عدا دول الربيع العربي).
3- مشكلة في الحقوق الفردية: وهي حزمة الحقوق الأساسية التي بدونها تصبح كرامة الإنسان منتهكة: حرية التعبير، والتعبد، والتجمع، والتعليم، وعدم الجوع، والسكن…إلخ.
حجج كارل شميت ضد البرلمان
يقول «كارل شميت» في مقدمة كتابه «أزمة النظام البرلماني»: «منذ أن وجد النظام البرلماني، كان النقد الموجه إليه موجوداً هو الآخر»، وعلى رغم أن شميت – أستاذ القانون والفيلسوف السياسي الألماني – تم تهميش أطروحاته لفترة طويلة بسبب انحيازه للنظام النازي ودعمه له، إلا أن العقدين الأخيرين شهدا عودة للاهتمام بالتراث الفكري الذي خلفه بعد وفاته عام ١٩٨٥، بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الألمانية تأسست جمهورية برلمانية عرفت باسم جمهورية فايمر، استمرت حتى إنهائها بعد فوز النازيين بالانتخابات، وفي سياق جمهورية فايمر هذه، نشر «شميت» كتابه هذا.
جزء رئيس من نقد «شميت» للنظام البرلماني هو تفريقه الرئيس بين الليبرالية والديموقراطية، فهو يرى أن «الإيمان بالبرلمان، بالحكم عبر الحوار، ينتمي لعالم الليبرالية الفكري وليس للديموقراطية»، إذ إن الديموقراطية، كما يراها شميت، هي «حكم الشعب لنفسه»، أي أن الحاكمين هم المحكومون، وأن القانون هو إرادة الشعب، الدولة هي المصوتون… إلخ، وحتى يمكن لمثل هذا التطابق بين الحاكم والمحكوم أن يتحقق يضع «شميت» شرطين أساسين، الأول: هو تجانس الشعب، والثاني: هو قدرة الشعب على إلغاء أي اختلاف، ومن دون هذين الشرطين لا يمكن الحديث أبداً عن إمكان وجود تطابق بين الحاكم والمحكوم، بين القانون وإرادة الشعب، Continue reading
ورقة في منتدى تواصل الثقافي: مدخل في الفلسفة السياسية (فيديو)
هذا تسجيل ورقة قمت بإلقاءها في منتدى تواصل الثقافي في الرياض يوم الاثنين ٥ أغسطس ٢٠١٢.
اللاجئون… بين «المنبوذ» و«محدث النعمة»
لم يكن مدهشاً أن يقول رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في لقائه مع القناة الإسرائيلية: «لن تكون هناك انتفاضة مسلحة ثالثة ضد إسرائيل»، وأن يقول: «أنا لاجئ، وليس لي حق دائم في طلب العودة إلى البلدة التي طردت منها»، لم يكن ذلك مدهشاً أبداً، لأننا جميعاً نعرف أن هاتين هما ركنا العقيدة الأساسية لهذا الرجل: قمع أي محاولة لمقاومة إسرائيل، والتنازل عن حق العودة لصالح كسب الاعتراف بدولة مستباحة السيادة.
لكن الذي كان مدهشاً في حديث عباس هذه المرة هو الصياغة التي صاغ بها اعترافه بعقيدته، وبشكل أكثر دقة أن يُعرِّف نفسه كـ«لاجئ».
عندما انهارت الإمبراطوريات بُعيد الحرب العالمية الأولى، وبدأ تجميع الشعوب التي كانت تسكن فيها على شكل أمم تتشارك وتقاسم دولاً حديثة، بدأ أيضاً يظهر أمام العالم للمرة الأولى ظاهرة «اللاجئين»، مليون ونصف المليون روسي، 700 ألف أرمني، 500 ألف بلغاري، مليون يوناني… ومئات الآلاف غيرهم. أن تكون لاجئاً يعني باختصار أنك بلا دولة، وأن تكون بلا دولة يعني أن تكون مستباحاً وبلا أي حقوق، وهذه هي المتناقضة الرئيسة الكامنة في أيديولوجيا «حقوق الإنسان»: أنك في أشد لحظاتك بشرية،
ما هي الحرية؟ درس مبسط
بعد كتابتي لتدوينة “حول موضوع “الرق” وكيفية تعامل الإسلام معه” ثار نقاش مطول بيني وبين المعارضين لما طرحته في تلك التدوينة. الخلاف دار حول جوانب متعددة، لكن الذي لاحظته هو سيطرة مفهوم “الحرية” اللبرالي على عقول من حاورني. لهذا سأكتب في هذه التدوينة السريعة حول ماذا تعني “الحرية”.
في هذه الأيام عندما نتكلم عن الحرية، فنحن نتكلم عن المعنى اللبرالي لها، أي تلك المساحة المتروكة للفرد يفعل فيها ما يريد. إنها تعني “زوال القيود”، إنها تعني المساحة التي لا تتدخل فيها الدولة أو السلطة وتتركها للفرد يمارس فيها ما يشاء. بهذا المعنى، لا توجد “حرية مطلقة”، أي “لا بد أن توجد قيود”، وعند تحديد هذه القيود ينقسم الناس ويتنوعون: هل تتدخل الدولة في طريقة تربيتنا لأبنائنا؟ هل تتدخل الدولة في ما نلبس من ملابس؟ هل تتدخل الدولة في ما نأكل؟…إلخ. Continue reading
حول موضوع “الرق” وكيفية تعامل الإسلام معه
سأتحدث هنا حول موضوع الرق. ولن يكون حديثي هنا محاولة خلق أعذار وتبرير لما حدث، ولن تكون مهجوسة باختراع انتصارات وهمية لم تحدث في الماضي. الهدف فقط من حديثي هنا يتلخص في نقطتين:
١- فهم ظاهرة الرق بشكل أكثر دقة بحيث يكون حكمنا على الموضوع أكثر عدلا ومصداقية.
٢- إزالة الكثير من الخلط التي ترتبط عادة بمفهوم الحريّة، والعدالة… وغيرها.
ماذا يعني الرق؟
قديما كانت تنشب الحروب بين البشر، وكان المنتصر يقوم بقتل المهزوم. لكن فيما بعد، تغير موقف المنتصر، فعوضا عن قتل المهزوم يقوم باستعباده. فما الذي أدى لهذا التغير؟
قبل الإجابة على هذا السؤآل، لابد أن نشير إلى مسألة أولية يتم تجاهلها عادة وهي أن للإنسان- أي إنسان- حاجات أساسية عليه تلبيتها من أجل أن يبقى هو كفرد على قيد الحياة ومن أجل أن تبقى أسرته أو قريته أو قبيلته أو البشرية جمعاء، حاجات تتنوع من مأكل ومشرب ومسكن إلى تكاثر وولادة وتنشئة للجيل القادم. كل هذه الحاجات يجب على كل فرد سدها، فهي تلح عليه وتجبره بأن يسعى إلى سدها، وبدون سد هذه الحاجات لا يمكن أن يكون الإنسان حرا. فالحريّة القديمة تعني التحرر من هذه الحاجات من أجل التمكن من قيام بأعمال أخرى. فحتى يستطيع العابد أن يتفرغ لمناجاة ربه، عليه أولا أن يسد حاجاته، وحتى يستطيع الفيلسوف تأمل الحقائق الأزلية، عليه أولا أن يسد حاجاته، وحتى يستطيع مواطني آثينا التفرغ للتجمع في ميدان المدينة من أجل التباحث في أمور السياسة، فعليهم أولا أن يتحرروا من حاجاتهم. Continue reading