في الفرق بين النظام البرلماني والديمقراطية

الفرق بين (الشعب يحكم نفسه بنفسه) وبين (الشعب يختار من يحكمه)

غالبا ما يتم وصف عمليات التحول السياسية في الدول العربية التي حدثت فيها الانتفاضات والثورات بأنه “تحول نحو الديمقراطية”. وتعرف الديمقراطية بأنها “حكم الشعب”، فتصبح النتيجة أن التحول الذي يحدث هو التحول من حكم المستبد إلى حكم الشعب (الديمقراطية).

وهذا غير صحيح أبدا، لأن عمليات التحول التي تحدث هي عمليات تحول نحو “نظام برلماني” وليس “نظام ديمقراطي”، ووصف النظام البرلماني بالديمقراطي هو خطأ مثلما لو وصفنا نظاما مستبدا بأنه نظام ديمقراطي. إذ أن الخلاف هنا ليس لفظيا، بقدر ما هو خلاف بين نظامين للحكم، يتم استخدام اسم الثاني للإشارة على الأول إما تظليلا أو جهلا أو كذبا.

أول نموذج للديمقراطية هو مدينة آثينا. مدينة آثينا كانت مدينة صغيرة، لا يتجاوز عدد سكانها بضعة آلاف، وكانت تدير أمورها بأن يجتمع كل المواطنين في ساحة ما ليديروا أمورهم ويتباحثوها. كان المواطن في آثينا، هو كل رجل حر آثيني، أي أن المرأة ليست مواطنا ولا العبد ولا البربري. ويقوم المواطنين بممارسة الحكم مباشرة مع رفاقهم المواطنين في الميدان العام، أي أن الشعب (مجموع المواطنين)، هم الحكام والمحكومين في نفس الوقت. وهذا النموذج حتى يكون ممكنا أو ناجحا يشترط كيانا سياسيا صغيرا ومجموعة سكانية متجانسة تقريبا.

النموذج البرلماني بالمقابل لا يسمح لكافة المواطنين بالمشاركة في الحكم، بل يسمح لهم بأن يختاروا حكامهم، الذين سيذهبون للبرلمان من أجل ممارسة كافة صلاحيات الحكم دونا عن بقية المواطنين. في أمريكا على سبيل المثال، عدد السكان ٣٠٠ مليون، هؤلاء لا يمارسون الحكم مباشرة بل فقط يقومون باختيار أقل من ٥٠٠ شخص من أجل أن يحكمونهم.

في أمريكا- وفي كل الدول البرلمانية الحديثة- الشعب لا يحكم، بل معظم الشعب (ليس كله ولا أغلبيته حتى) يختار من يحكمه، لكن في آثينا كان الشعب فعلا يحكم بنفسه. Continue reading

المقالات من ٦٠-٧٠، في جريدتي البلاد والحياة

تجدون في الأسفل المقالات التي من ٦٠-٧٠ التي كتبتها في جريدتي البلاد والحياة، والتي لم أقم برفعها تكاسلا حينا، وحينا آخر بسبب مشكلة في اتصال الانترنت. كما أن كامل المقالات التي كتبتها، موجودة في قائمة المقالات في الأعلى أو على هذا الرابط:

مقالات

قراءة ممتعة للجميع

٦٠- صعود اليمين السعودي المحافظ

نشرت في صحيفة البلاد بتاريخ ٧ يوليو ٢٠١١. Continue reading

لغز بريدة – بقلم/ عبدالله الوابلي

صورة بعدسة مصور من بريدة: عويد العويد

عندما يكون الحديث عن بريدة فلابد أن تاخذ نفساً عميقاً وجلسة ( يوغا ) راحةً للفكر والأعصاب ، لأنك لاشك مقبل على رحلة نفسية وفكرية ( ضروس ) ، تلك المدينة الجريئة ( والدلوعة ) عشيقة الحكام ( في الماضي البعيد ) ومستفزتهم ، فلا يرتخي جفن لأحدهم حتى ينام على فراشها . ويداعب بانامله عسبان نخيلها . ستسمع الأفكار المتناقضة عن هذه المدينة المنقادة يوماً والعصية أياماً أخرى . ستسمع إلى من يقول أنها معقل السلفية ، بل ستقرأ أنها منبع الإلحاد ، قالوا عنها إنها بقية باقية من القرون المفضلة الأولى ، وقيل عنها أنها صُفَّة الهرطقة . لقد إختلف القوم جرّاء تلك المدينة وإختصموا، فلماذا كل هذا الإختلاف ؟ وهل كل ماقيل عنها صواب ؟ Continue reading

هل توجد (مسألة شيعية) في السعودية؟

يمكن اعتبار توفيق السيف منظرا أساسيا لما يدعوه هو بـ”المسألة الطائفية” أو “المسألة الشيعية” في السعودية، حيث قام بتقديم آراء صلبة وعميقة حول الموضوع ترتفع به عن محض السجالات المذهبية والأفكار المؤمراتية الساذجة. كتب توفيق السيف ورقتين: الأولى هي “المسألة الطائفية: بحثا عن تفسير خارج الصندوق“، عرض فيها رأيا عاما حول المسألة الطائفية في العالم العربي، والثانية هي “المسألة الطائفية في المملكة: دعونا نتجاوز الفشل“. وسأقوم هنا بمناقشة السيف انطلافا من المسلمة رقم واحد التي تنطلق منها أطروحته حول “المسألة الطائفية” في السعودية، أي: هل هناك فعلا مثل هذه المسألة؟

يمكن باقتضاب تلخيص أطروحة السيف حول موضوع “المسألة الشيعية” في السعودية، بأنها مسألة حرمان حقوق مدنية وسياسية على أساس تمييز طائفي، وبالتالي فإن المطالبات السياسية الشيعية في السعودية تبرز باعتبارها ليست كحركة انفصالية، بقدر ما هي حركة حقوق مدنية تهدف إلى إلغاء التمييز الطائفي. Continue reading

ترجمة جديدة: سلطة من لا سلطة لهم- فاكلاف هافل

في قسم الترجمات من هذا الموقع تجدون ترجمة لمقالة كتبها فاكلاف هافل- المناضل ورئيس التشيك السابق، وهي موجودة على هذا الرابط

سلطة من لا سلطة لهم

حول “نظرية المؤامرة”

باختصار، وبجملة واحدة، يمكن قول التالي: القول بوجود مؤامرة كونية ضد العرب تساوي رفض هذا القول. وهما متساويتان من جهة واحدة، ذلك أن كلاهما يعتبران تاريخ البشر منتج غير بشري، إنما هو نتيجة صراع الآلهة والشياطين.

سننتقل الآن للتفصيل.

لنبدأ من مثال بوعزيزي. Continue reading

هل قتل القذافي لأنه ظالم أم لأنه كافر؟

باعتقادي أن سؤال العنوان بهذه الصياغة: واضح، لكني أعرف جيدا أننا غالبا لا نقرأ ما هو مكتوب أكثر من قراءتنا لما نفترضه خلف الحروف المكتوبة أمام أعيننا. فالسؤال يقول “هل قتل”، إذن هو محصور بحادثة القتل نفسها، لا تسأل عن الثورة ككل، وإنما عن هذه اللحظة التي حدثت البارحة التي تم فيها قتل القذافي. وهو تساؤل لا ينمّ عن كثير حزن على القذافي، بل لا أخفي سعادتي من اختفاءه من عالمنا. أخيرا، وقبل أن أدلف إلى الموضوع، فيجب أن أؤكد أنه: لا، لا يمكن الجمع بين الإجابتين، كما سنرى لاحقا. Continue reading

أيهما أعظم محمد بو عزيزي أم ستيف جوبز؟

-١-

تلخص حنة أرندت الدافع الذي من أجله قام هيرودوتس- (أبو التاريخ) كما يسميه شيشرو- بكتابة تاريخ “الحروب الفارسية” بأنه أراد أن (يحتفظ بما يدين بوجوده للناس، خشية أن يتم طمسه من قبل الزمان، وليسبغ على الأفعال المجيدة والجميلة التي قام بها كل من الإغريق والبربر ما يليق بها من الإنعام، حتى تضمن تذكرها من قبل الأجيال القادمة وليصبح مجدهم مشعا عبر الأجيال) (Between Past and Future, 41).
على العكس من المؤرخ الحديث، كان المؤرخ القديم يرى دوره محصورا بتخليد الأعمال العظيمة، الأعمال التي لا تستطيع بنفسها الخلود، لكنها دوما بحاجة إلى المؤرخ أو الشاعر لتخليدها، وذلك عبر إدماجها في (الذاكرة). كيف يمكن أن تخلد لنا مقولة عظيمة كمقولة عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟) لو لم يكن هناك مؤرخين وجدوا أن من صميم عملهم إدراجها في الذاكرة.
إن من طبيعة أقوالنا وأفعالنا أنها زائلة. تمحي من الوجود بمجرد أن ننطق بالكلمة أو نقوم بالفعل. فهي ليست باقية كالجبال مثلا، التي يولد أحدنا ويموت وهي راسخة في مكانها لا يتمكن منها الزمان. أقوالنا وأفعالنا، لا تستطيع حتى أن تبقى مثلما تبقى (صناعاتنا)، Continue reading

إلى لبراليي الوهابية: نحن وطنيين غصب على اللي خلفوكم!

كتب تركي الحمد -الذي يتم تقديمه لنا باعتباره لبرالي ومتحرر وحداثي- في تويتر يقول: “قبل أن تكون سنيا أو شيعيا، ليبراليا أو إسلامويا. كن مواطنا أولا وافعل بعدها ما تشا، فالمواطنة حارس في داخلك على وحدة الوطن”. في حين “شرطي الوطنية” في تويتر: محمد آل الشيخ، كتب قائلا: “لست طائفيا وأربأ بنفسي أن أكون طائفيا. ولكن عندما يكون تسامحي ثقبا يلج منه الطائفيون لتمرير أجندات أجنبية سأكون الطائفي الأول بلا تردد”. هذه عينة بسيطة، لحملة كبيرة يقوم بها هذا النوع من اللبرالية الوهابية (كما سماهم يوما الصديق السمهري) – نستطيع تعداد الأسماء: تركي الحمد، محمد ال الشيخ، سعود الريس، سلطان القحطاني…إلخ- على كل شخص بأن يثبت وطنيته بأن يكون “الطائفي الأول بلا تردد”- حسب تعبير آل الشيخ- لما حدث في العوامية.

لكن ما هي هذه “الوطنية” التي “أزعجوا أمنا” فيها؟ Continue reading