بحث مترجم
جيل جديد اعتلى السلطة في عدد من بلدان الشرق الأوسط: الأردن وسوريا في المشرق، والمغرب في الشمال الأفريقي، والبحرين وقطر والإمارات في الخليج الفارسي. والغائب الأبرز عن هذه القائمة هي السعودية.
امتناع السعودية هذا من الانتقال نحو جيل جديد من الحكام يعود لسبب تافه لكنه، في النفس الوقت، شديد الأهمية. هذا السبب هو كثرة عدد زوجات والخصوبة الاستثنائية التي كان يتمتع بها مؤسس الدولة السعودية الحديثة، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والمعروف بـ(ابن سعود). إذ أنه وعبر توظيف مؤسسة الزواج كعنصر مكمل لبناء الدولة السعودية قام بالزواج من ٢٢ امرأة ينتمين لعدد من الأسر المهمة والقبائل المتوزعة على مناطق متنوعة في الدولة الوليدة، منتهيا إلى أبوّة ٤٤ ابنا. (١) بهذه الطريقة، أصبح كثرة الأبناء هذا هو حصاد الخطة الشاملة من أجل الحفاظ على التوازن الاستراتيجي للعرش بعد رحيل ابن سعود. وكنتيجة لهذا، أصبح توارث الحكم يتم من أخ لأخ، لا من ابن لابن، أي بمعنى آخر، أن كل المتعاقبين على الحكم ينتمون لنفس الجيل.
وهذا ما يفسر ندرة الحديث عن تعاقب الأجيال على الحكم في السعودية. فمن ناحية المبدأ، وفرت هذه الطريقة في تعاقب الحكم نوعا من الاستقرار، لكنها تؤدي إلى ثغرة خطيرة وهي تقادم عمر الورثة المحتملين. فالملك فهد، الذي لم يستطع القيام بمهامه كملك بسبب سكتة دماغية ألمت به عام ١٩٩٥، قد توفي في أغسطس ٢٠٠٥ عن عمر يناهز ٨٤، في حين أن عمر وريثه في الحكم الملك عبدالله ٨٢. أما وريث الملك عبدالله المحتمل، الأمير سلطان، فهو حوالي ٨١، وهناك إشاعات بأن صحته متدهورة.
كانت الأسرة المالكة، الحريصة على إدامة حكمها، قد لاحظت فعلا مشكلة العمر هذه عام ١٩٩٢ عندما أصدرت النظام الأساسي للحكم الذي ينص، من بين عدة أمور، على أن الحكم ليس محصورا بأبناء ابن سعود فقط، بل وأحفاده أيضا. ومع ذلك، فإنه يبدو أن على الجيل القادم من العائلة أن ينتظر طويلا قبل أن يفكر بالتاج، هذا غير أن هناك ظلالا كبيرة من الغموض تحيط بهوية كبار مرشحيه. بالإضافة كذلك إلى أن أي حديث عن الإجراءات داخل الأسرة محكوم عليه مسبقا بالقول المأثور: من يعلم لا يتحدث، ومن يتحدث لا يعلم. (٢)
وعلى الرغم من أنه لا يبدو أن هناك أي توارث للسلطة عبر الأجيال في القريب العاجل، إلا أن جيلا جديدا بدأ يتزايد أهمية في الحيز العام. وهذه المقالة ستركز على التغير في الأجيال بين طبقة العلماء، حيث أن عدد كبير من أعضاء الجيل الثاني- بعضهم معارض سابق وآخر ما زال في المعارضة- صعد إلى مراكز نخبوية ويمثل الآن ركنا جديدا لتدعيم النظام.
حكم دولة تدعي أنها مبنية على الدين الإسلامي، يجعل النظام يستمد جزءا من شرعيته من رجال الدين الذين يتم طلبهم ليصدقوا بعضا من الأنظمة والسياسات المثيرة للجدل. هذه كانت الحالة عندما تم إدخال التلفاز في الستينات، وعندما تم اقتحام الحرم المكي بقوات مسلحة بعد أن تم الاستيلاء عليه من قبل متطرفين عام ١٩٧٩، وعند استضافة القوات الغربية – الذين يشير إليهم المنشقون بـ(الكفار المسيحيين)- لحماية البلاد بعد احتلال صدام حسين للكويت. كان يساعد النظام مجموعة من كبار المشايخ والمسنين المنتمين لـ (هيئة كبار العلماء). رجال الدين هؤلاء يتم استدعائهم عند الحاجة لشرعنة الأنظمة المثيرة للجدل، وإصدار فتاوى دينية شرعية حسب طلب النظام. إلا أنه، ومع الوقت، تآكلت منزلة هؤلاء العلماء عند الأجيال الجديدة. كما بدا رجال الدين المسنون منفصلين عن العصر الحديث، وغير مستعدين لمواجهة تحديات العولمة والانترنت والفضائيات التلفزيونية. هذا غير أن صورتهم تشكلت باعتبارهم محض أختام للنظام لتمرير عدد من الخطوات التي بدت في الظاهر بأنها غير إسلامية، خصوصا الموافقة على دخول القوات الكافرة للسعودية إبان غزو صدام للكويت.
هناك عالمين صغيرين نسبيا (في العقد الخامس من العمر)، سلمان بن فهد العودة وسفر عبدالرحمن الحوالي، يتم تصويرهما من قبل عدد كبير من الجيل الجديد كبديل لعلماء المؤسسة الرسمية ويدعون بـ(شيوخ الصحوة). بدأ هذان نشاطهما المعارض عن طريق محاضرات يتم تسجيلها وتوزيعها. وبالرغم من كونهما كانا معروفين قبل الأزمة في ١٩٩٠-١٩٩١، إلا أن شهرتهما تعاظمت عندما وصلت الجنود الأمريكية إلى السعودية. فالكثير من شباب الجيل الجديد اعتبروا الوجود الأمريكي إهانة لكرامتهم، التي لم تعتبر سلوكيات بعض هؤلاء الجنود إلا زيادة في تأكيدها: مجندات يقدن السيارات (ليس مسموحا للمرأة بأن تقود في السعودية) ويلبسن الشورتات في نفس الوقت الذي تبث فيه محطات الاذاعة العسكرية موسيقى الروك أند رول من الساحل للساحل.
هكذا إذن بدأت حركة احتجاجية إسلامية بالتصاعد كرد فعل على الصدمة التي مثلتها حرب الخليج. في عامي ١٩٩١ و١٩٩٢، أصدرت المعارضة الإسلامية بقيادة سلمان العودة وسفر الحوالي، بيانين تضمنا المطالبات الأساسية التالية: ضمان دور جوهري لكل العلماء في صناعة القرار السعودي، إلغاء مأسسة سلطة العلماء كمتحكم حصري بالشؤون الإسلامية، واستعادة بعضا من الخصائص اللامركزية ذات السمات القبلية للإسلام في جزيرة العرب قبل عهد الملك عبدالعزيز وإصلاحات الملك فيصل. وصلت هذه النشاطات قمتها عام ١٩٩٤ بمظاهرة لم يسبق لها مثيل وسجن المشايخ. ومهما يكن من أمر، ففي عام ١٩٩٩، لاحظ النظام أن العلماء الرسميين الهرمين قد فقدوا جزءا كبيرا من هيبتهم، فقاموا بإطلاق سراح المشايخ من السجن. ولعل هذا القرار قد تم بموجب اتفاقية بين الحكومة والشيخين، الحوالي والعودة، بأن يطلق سراحهما على وعد بأن يوفرا للنظام ما يحتاجه من شرعنة إسلامية أو ضمان بأنهما على الأقل لن يسببا أي بلبلة. بكلمات أخرى، تم احتواء المشايخ في النظام إلى هذا الحد أو ذاك.
تطور آخر ساهم في اتجاه الحكومة للبحث عن علماء آخرين بامكانهم توطيد شرعيتها تمثل بموت الشخصيتين الرئيسيتين في هيئة كبار العلماء، الشيخ عبدالعزيز بن باز، الشخصية المؤثرة والفعالة منذ الستينات، الذي توفي عام ١٩٩٩، والشيخ محمد بن عثيمين الذي توفي عام ٢٠٠١. وبما أن الوهابية تطورت كأيديولوجية رسمية للدولة السعودية لا كحركة ثورية، فإنها دافعت عن سيادتها واستقلالها. وابن باز، الذي بحكم رأيه أن دعم السيادة ضروري من أجل منع الفوضى، أصبح المساند الرئيسي لهذه المقاربة. وعلى كل، فإن النظام بعد رحيل هذين الشيخين وجد نفسه مع قلة من العلماء المتميزين مما دفعه لأن يكون معتمدا على رجال الدين من الجيل الثاني. لكن هؤلاء العلماء كانوا معارضين بطبيعتهم ولم يكونوا مستعدين لأن يعملوا كمحض أختام للنظام. ولهذا، توجب على النظام أن يعيد تكييف نفسه مع الوضع القائم الجديد.
وبعد أحداث ١١ سبتمبر، بدأ علماء التسعينات المعارضين، والذين كانوا دائما رافضين لاستخدام العنف، يستشعرون مخاطر التطرف. فتشكلت إثر ذلك مدرسة فكرية بقيادة سلمان العودة وعايض القرني. فمنذ الحادي عشر من سبتمبر قام العودة بالتنديد ضد المتطرفين واصفا إياهم بالخوارج، مستعيدا بهذا اللفظ تلك الفرقة الإسلامية القديمة التي تعتبر كل من يخالفها كافرا. والنظام كذلك وصف المتطرفين بالخوارج، مما يعني أن النظام وقيادات المعارضة السابقين باتوا يتقاسمون نفس الخطاب. أما القرني فلم يصل للشهرة إلا بعد الحادي عشر من سبتبمر، إذ كانت الحكومة قبل ذلك تمنعه من النفاذ إلى الإعلام الذي كانت تسيطر عليه. إذ منذ تلك اللحظة واظب على الظهور في التلفاز، ولم يكن أمرا مستغربا أن يتضمن خطاب القرني إشادة بالعلماء الكبار من الجيل السابق. تحدث القرني باستمرار عن توحيد الصفوف، بناء خطاب جديد خالي من التطرف، ودعم النظام. بالإضافة إلى حثه للشباب بألا يذهبوا إلى الجهاد.(٣)
هناك أسباب متنوعة وراء توظيف النظام لعلماء سبق لهم شق عصا الطاعة. فهم معروفون بكونهم علماء مخلصين بلا أطماع خفية. وكذلك يسر التواصل مع هؤلاء العلماء الصغار سواء عبر التلفون والبريد الإلكتروني، بل إن تقريبا كل واحد منهم لديه موقع خاص علي شبكة الانترنت. هذا بالاضافة لما لاحظه النظام من تدهور ثقة الناس بالعلماء الرسميين من الجيل القديم. وكما يبدو، رغب آل سعود أيضا بتدعيم شجب العلماء الرسميين لأسامة بن لادن عبر الاستفادة من الانتقادات الموجهة له من الدوائر الإسلامية التي تمتلك رصيدا أكثر من المؤسسة الرسمية. ومن وجهة نظرهم، رأى العلماء الصغار أن التطرف قد يؤدي إلى آثار كارثية على الإسلام والسعودية ولهذا كانوا على استعداد للتنديد بالعناصر الهدامة التي تعمل على التراب السعودي.
وهنا يجب أن لا نقع في خطأ تصور أن هؤلاء العلماء لم يكونوا معادين لأمريكا، وبدون حاجة أن نذكّر معادين لإسرائيل أيضا. فعلى الرغم من أن العودة قد ندد بأحداث الحادي عشر من سبتمبر باعتبارها حدث شنيع نابع من عدوان مدمر، فهو أيضا قد أشار إلى أن القائمين على العمل (كانوا حصادا مرا لما زرعته الولايات المتحدة الأمريكية). وكذلك عبر القرني بعبارات مماثلة (٤). إلا أن الحوالي قد تبنى نبرة أشد حدة. ففي رسالة مفتوحة للرئيس بوش، كتب أن موجة من الفرح قد عمّت المسلمين عندما سمعوا بالهجمات التي استهدفت نيويورك وواشنطن. وفي أبريل ٢٠٠٣، بعد احتلال أمريكا للعراق، قام بتأسيس- بمعاونة العودة والقرني- مؤسسة الحملة العالمية لمقاومة العدوان، التي اعتبرت مقاومة القوات الامريكية في افغانستان والعراق عملا مشروعا.(٥) ومع كل هذا، لم يقم النظام باتخاذ أي إجراء تأديبي ضد هؤلاء العلماء، طالما أنه متى ما تم استدعائهم، قام هؤلاء العلماء بحماية النظام من العناصر الأشد تطرفا. ومن هنا سمح لهم النظام قول ما يشاؤون طالما أن تعليقاتهم موجهة للشؤون الخارجية. وبدا النظام مستمرا في سياساته التي اعتادها منذ الثمانينات والتسعينات، عندما فضل (تصدير) متطرفيه لمناطق مثل أفغانستان والبوسنة حيث سينالون هناك على أغلب الظن شهادتهم.
وفي مايو ٢٠٠٣، قامت مجموعة دعت نفسها (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) بعدد من العمليات المروعة (دمغتها الصحافة باسم (١١ سبتمر السعودية)) خلفت ورائها العديد من القتلى. مثلت هذه الهجمات تحديا مستمرا للنظام، الذي كان ممتنا للعون الذي قدمه مشايخ الجيل الجديد عندما شنعوا على المرتكبين. هذا الدعم أصبح شديد الأهمية، خصوصا على ضوء حقيقة أنه وبينما كان النظام يبحث عن مرتكبي الأعمال الإرهابية، طلب ثلاثة من الشيوخ الصغار وشديدي التطرف، علي الخضير وناصر الفهد وأحمد الخالدي، من الناس أن يساعدوا المختبئين: (فهم ثلة من خيار المجاهدين، هداة متقين، بذلوا أنفسهم وأموالهم ودمائهم في سبيل الله، وقاتلوا ببسالة الصليبيين في أفغانستان).(٦) هكذا إذن، أصبح النظام بحاجة ماسة لدعم كبار علماء الجيل الجديد، مثل العودة والحوالي، إذ مع زيادة تكثّف الارهاب الاسلامي الداخلي في السعودية، مثل هؤلاء العلماء عوامل إصلاح. وبعد أن قام أعضاء من القاعدة في السعودية باختطاف بول جونسون، الموظف في الصناعات الدفاعية الامريكية، في عام ٢٠٠٤، ظهر على التلفزيون السعودي الرسمي كل من الحوالي والعودة يصمون الخاطفين بالإنحراف عن طريق الإسلام الصحيح.(٧) هذا لا يعني أنهم تخلوا عن مطالبهم بالإصلاح، ولكن على الضد من المتطرفين المتأثرين ببن لادن، كانوا معتدلين ولم يدافعوا عن استخدام العنف داخل السعودية.
كفل العلماء إذن مقدارا معقولا من الشرعية للنظام في مكافحته للإرهاب، وهذا هو حاليا دورهم الأكثر حيوية. بعد هجمات مايو ٢٠٠٣، قام متطرفوا التسعينات السابقين بجهد لافت في وضع أنفسهم كمتبعين للمسار الوسطي وكمواجهين لأنصار بن لادن الجهاديين. رجال الدين الشبان هؤلاء اختاروا وصفا لأنفسهم بأنهم أتباع للمنهج الوسطي عوضا عن المعتدل، وذلك من أجل أن يستمدوا شرعية من القرآن، حيث يقول الله على سبيل المثال: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا). (٨)
استمر العودة في رفع شعار الإصلاح في نفس الوقت الذي يهاجم فيه المتطرفين وأحداث ١١ سبتمبر. وعلى الرغم من أن العلماء الرسميين نددوا بأحداث ١١ سبتمبر، إلا أن العودة قرن نقده للنظام بتنديداته بالمتطرفين. فعلى سبيل المثال، طالب بالتشديد في مراقبة المال العام، وبالعدالة الاجتماعية، وبالمشاركة في عملية صناعة القرار. كانت استقلاليته هذه هي مصدر قوته وبنفس الوقت فائدته بالنسبة للنظام. وفي مقابلة مع صحيفة أجنبية، شكك أحد المسؤولين السعودين الكبار في أن العودة قد (تاب) وقبل سلطة الحكومة (٩). ومع أنه أمر مستبعد أن يقبل العودة بهذا التوصيف، إلا أنه وبدون أدنى شك أحد دعائم النظام.
ويقوم العلماء الصغار أيضا بمساعدة النظام في مكافحته للبراليين، ذلك أن اللبراليين يسعون لتقليص نفوذ المؤسسة الدينية. حيث وجد هؤلاء اللبراليين في صفحات جريدة الوطن منبرا لهم، الجريدة التي عمدها الإسلاميين- في نوع من التلاعب اللفظي- بالوثن.
كما أنه من الواضح أن الحوالي وآخرين معه يحاولون توظيف مكانتهم من أجل تحصيل المصالح التي لم يطرأ عليها تغيرات جوهرية: رفض العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، قدرة أكبر على محاسبة الحكومة، سلطة أكثر للعلماء، وتطبيق أشمل لأحكام الشريعة.
وقد ادعى الحوالي بأنه أسس جمعية مكونة من ٧٠ عالما من أجل التوسط بين شباب الجهاديين والحكومة. وأشار الحوالي، أن دور هذه الجمعية يتمثل بنقل المجاهدين عن جادة العنف ووضعهم في مواجهة الإنحراف العقدي الذي تعتبر محاربته أسهل.(١٠) وبعد الأحداث المدمية في مايو ٢٠٠٣، قام العلماء من الجيل الثاني فعلا بلعب دور الوسيط بين الإرهابيين والنظام. وعندما أعلنت السلطات في ٢٣ يونيو ٢٠٠٤ عن فترة عفو لشهر واحد لكل من يسلم نفسه من ناشطي القاعدة، قام أحد المشتبه بهم، عثمان العمري، بالذهاب إلى منزل الحوالي. فمضى الاثنان على الفور إلى منزل ابن وزير الداخلية، محمد بن نايف، الذي كان يدير ملف التعامل مع المتطرفين نيابة عن والده. وكما ذكر الحوالي، أن الأمير لم يقم فقط بالترحيب بحرارة بالعمري (وتهنئته والإشادة بشجاعته في تسليم نفسه في لحظة مبكرة من فترة العفو)، بل وعد العمري أيضا بمعاملة عادلة وتلبية احتياجات عائلته.
بعد أسابيع، نشرت وسائل الإعلام أن السلطات فعلا قامت بسداد جميع ديون العمري. بالإضافة لنقل تعبير أبنائه عن امتنانهم للأمير محمد على (مبادرته التي ساعدت والدهم في سداد ديون تقدر بـ١٧٠ ألف ريال). (١١) هذه الحادثة تشير بوضوح لمدى نفوذ الحوالي بين الجهاديين وحجم فائدته للنظام. كما توضح الطبيعة الشخصانية، بله القبلية في كامل الصورة: عالم موثوق به من قبل الطرفين يقدم نفسه كوسيط، وأمير متصف بالكرم والنبل والحكمة، بالاضافة لتلك الصفة العربية: الحلم، يسوي المسألة ويحلها. هذا وقد قام الحوالي مع مجموعة من العلماء بمقابلة مجلس الشورى السعودي لمناقشة أمر تسليم عناصر القاعدة. بعد ذلك قام ستة عناصر من القاعدة بتسليم أنفسهم، بعضهم كان نتيجة توسط علماء الجيل الثاني.(١٢)
في نوفمبر من عام ٢٠٠٤، وقبل ضرب القوات الأمريكية لمدينة الفلوجة العراقية، نشر ٢٦ عالما خطابا للمسلمين يدعون فيه للجهاد في العراق. كان من بين الموقعين العودة والحوالي.(١٣) لكن الحكومة لم تحرك ساكنا لأن القضية تتعلق بمسألة خارجية. بالإضافة، إلى أنه من مصلحة الحكومة- تماما كما كان الوضع في أفغانستان في الثمانينات والتسعينات- أن يموت المتطرفين طلبا للشهادة في الخارج من أن يسببوا المتاعب داخل أراضيها. وقد نقل عن الحوالي توسله لصلاح العوفي أحد كبار نشطاء القاعدة في السعودية بألا يقاتل داخل بلاده بل عليه الالتحاق بصفوف الجهاد في العراق (١٤)- في موقف يتوافق مع تطلعات النظام. كما أن الحوالي استنكر دعوات الخروج في مظاهرات التي أطلقها المعارض سعد الفقيه في مقر إقامته في لندن. إذ أن هذه الأعمال، كما أكد الحوالي، ستحدث فتنا. (١٥)
كان أسامة بن لادن في التسعينات يصف العودة والحوالي بـ(شيوخنا) ويطالب بإطلاق سراحهم(١٦)، إلا أن كبار علماء الجيل الجديد هؤلاء أصبحوا من معارضي بن لادن وعاونوا النظام في جهوده اتجاه المتعصبين الدينين واللبراليين على حد سواء. هذا التعاون لا يشهد فقط على التحولات التي طرأت على علماء الجيل الثاني، بل – ولعله أكثر أهمية- يكشف عن مدى قدرة النظام على التعاطي مع التغيرات والأوضاع الحرجة. يذكر أن نصيحة هؤلاء العلماء للشباب بأن يذهبوا للجهاد في العراق انفجرت في وجه الشيخ سلمان العودة. إذ بعد أيام من الإعلان، تلقى الشيخ رسالة على جواله من ابنه تقول: (أبي العزيز، أنا ماض للجهاد في العراق. أراك إن شاء الله في الجنة). هرع الشيخ المذهول إلى الأمير محمد بن نايف الذي أمر القوات الخاصة بالبحث عن الفتى. في النهاية، اتضح أن الفتى كان يمازح والده بمناسبة عيد الفطر. لكن قراء جريدة الوطن اللبرالية لابد أنهم تبسموا من انكشاف نفاق الشيخ البارز.(١٧)
مرت السعودية بفترة عصيبة في السنوات الماضية. ومن المفارقات، أن علماء الجيل الثاني- أعضاء المعارضة السابقين- يساعدون الأسرة الحاكمة في تتبع طريقها خلال هذه العاصفة. ومع قيامهم بهذه المهمة، يعزز رجال الدين هؤلاء من مكانتهم في صفوف الجماهير الشابة والحكومة. أما العائلة الحاكمة، من جهتها، فيجدون أنه من الدهاء استغلال رجال الدين هؤلاء من أجل البقاء في السلطة.
المراجع:
١- سيمون هندرسون، (بعد الملك فهد: الخلافة في المملكة العربية السعودية)، مؤسسة واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، واشنطن دي سي ١٩٩٤.
٢- الشكر لجورج جوش لهذه البوصلة بخصوص سياسات العائلة الحاكمة السعودية.
٣- جورج جوش، (احذر مما أنت مزمع عليه: مستقبل العلاقات الامريكية السعودية)، دورية سياسات عالمية، ربيع ٢٠٠٢، ص ٣٧-٥٠.
٤- نفس المصدر، ص ٤٠.
٥- انظر تحليل روفين باز في (الحملة العالمية ضد العدوان: المجلس الأعلى للجهاد العالمي؟)، سلسلة (برنامج مشروع البحث في الحركات الاسلامية) حول الجهادالعالمي، (www.e-prism.org) في مايو ٢٠٠٠.
٦- الأسوشيتد برس، مايو ١٦، ٢٠٠٣.
٧- الأسوشيتد برس، يونيو ١٩، ٢٠٠٤.
٨- سورة البقرة الآية ١٤٣، كما تمت مناقشتها في ستيفن لاكوغ، (عنصر جديد في الحقل السياسي-الثقافي السعودي: ظهور التيار الإسلامي-اللبرالي الإصلاحي)، مسودة ورقة أرسلت إلى مؤتمر برعاية المنظمة الدولية لدراسة الإسلام في العالم الحديث، ليدن، فبراير ٢٠٠٤.
٩- النيويورك تايمز، ديسمبر ٢٧، ٢٠٠١.
١٠- وكالة الأنباء الفرنسية، نوفمبر ١٣، ٢٠٠٣.
١١- (النمط السعودي في تسليم الفارين من العدالة: تدفع السلطات السعودية ديونه، تصرف لعائلته مرتبا شهريا، تمنح الفار حرية اختيار السجن الذي يريد أن يسجن فيه)، ميمري، ٢٤ يوليو ٢٠٠٤. (www.memri.org.il)
١٢- ستيفن ألف، (تقييم العفو السعودي)،www.jamestown.org ، ٦ أغسطس، ٢٠٠٤.
١٣- عرب نيوز، ٧ نوفمبر، ٢٠٠٤.
١٤سياتل-بوست إنتلجنسر، ٢٤ يناير، ٢٠٠٥.
١٥- www.arabicnews.com ، ١٤ ديسمبر، ٢٠٠٤.
١٦- للمزيد عن بن لادن والشيوخ الانقلابيين انظر: جوشوا تيتلباوم، (أكثر منكم تقى: المعارضة الإسلامية في المملكة العربية السعودية)، مؤسسة واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، واشنطن دي سي، ٢٠٠٠.
١٧- الوطن، ٢١ نوفمبر ٢٠٠٤، مايكل سكوت دوران، (أثر العراق؟ عداء المسلمين لأمريكا يلتهب)، وول ستريت جورنال، ١١ دسمبر، ٢٠٠٤.
i wish you had given the original title in English
i wish you had given the original title in English
ماادري في خدمة ارسال التدوينه الجديده للبريد الالكتروني
وضعت ايميلي علشان اذا فيه حتوصلني اذا مافيه ماحتوصلني 🙂
وحبيت اجرب
شكرا
من هو كاتب هذا البحث ؟