ترتيب الموضوع .. والقراءة

“والحقيقة ان كل خطاب فكري ينطلق من “فروض أساسية” تنبثق عنها التطبيقات وتتحاكم إليها … “

إبراهيم السكران

قبل أن نشرع في النقد ، سنقوم بترتيب للموضوع ، الذي يبدو للوهلة الاولى مشتتا ومتفرقا، بل إن القديمي وصفه بأنه مجموعة “نقود لا ينظمها عقد”. وأنا أخالف هذه الرؤية وأزعم أن البحث عبارة عن بنية متماسكة البناء.

وهو – أي البحث – ينقسم إلى جانبين رئيسين : جانب تكويني ، وجانب بنيوي. الجانب الاول يبحث في “تكوين ظاهرة الخطاب المدني”، وييتناول السياق التاريخي الذي نشا فيه هذا الخطاب. وهذا الجانب التكويني يستغرق المقدمة والفقرات من الأولى إلى الرابعة. ومن الفقرة الخامسة إلى ما قبل الاخيرة ، يتناول البحث “بنية الخطاب المدني” بنقد أهم مقولاتها وأدواتها .

ونحن سنقسم هذا النقد إلى قسمين رئيسين : قسم يتعلق بـ “نقد الجزء الاول” ، وآخر يتعلق بـ “نقد الجزء الثاني”.

البحث يتناول ظاهرة فكرية سعودية ويحاول فهم تكوينها ونقد بنيتها، لكن البحث يصرّ على عدم توثيق هذه الظاهرة. وهنا نحن امام خيارين : إما ان نكتفي بالحكم على البحث بانه بحث غير موثق ، وبالتالي خلوه عن اي قيمة علمية ، ونرتاح من عناء تتبع البحث بكافة تفاصيله. أو أن نتجاوز هذه العقبة مقرين بوجود هذه الظاهرة وبحث مدى التطابق بين “تفسيرية” هذا البحث و “واقع” هذه الظاهرة ، بالاحتكام إلى “تفسيرنا” الخاص بها .

نحن اخترنا هذا الاختيار الثاني ، وذلك لثلاثة اسباب : الأول أننا نقرّ أن هناك ظاهرة فكرية جديدة متشكلة في الأفق الفكري السعودي ، الثاني أن البحث لم يكتف بعدم توثيق بحثه، ولكنه أيضا لم يبنِ بحثه على أشخاص الخطاب المنقود ، وبالتالي يصبح نقده مشروعا من هذه الناحية. والسبب الثالث ، يتعلق بما قاله “القديمي” من ان أي احد باستطاعته تصوّر أي شيء مهما كان غريبا والكتابة حوله ونقده ، أقول انا : نعم ، بإمكان أي احد ذلك ، لكن ليس كل بحث عن أي شيء سيلامس الناس ويلقَ مثل ردات الفعل التي لقيها بحث السكران، وهنا – في ردة الفعل هذه – إثبات لوجود هذه الظاهرة المنقودة. إذ لو كان النقد عن اتهام لتيار من التيارات بالتأثر بالبوذية ومتابعة المسلسلات المكسيكية ، لما تكبد الناس عناء النظر فيه ، بله الرد عليه والتعقيب عليه ، بل رُكن في أحد الاندية الادبية تحت باب “الأدب الفنتازي”.

في بعض الأحيان فقط ، يتكئ الباحث على مقولات شخصية لمن يسميهم “غلاة المدنية” تستوجب الاستفسار عن مدى صحّة فهم الباحث لها ، حتى لا يقع في “آفة الفهم السقيم” التي ذكرها الشاعر بحق كثير من “العائبين للأقوال الصحيحة” .

إذن، سيكون نقدنا هذا على مستويين: المستوى الأول وسيكون في الإجابة على هذا السؤال: هل التفسيرات التي فسر بها الباحث “نشوء” هذا الخطاب و”تشكله” و”تنبؤه” بزواله القريب صادرة عن منهج تفسيري مقارب للواقع ؟ أم هي صادرة عن منهج يقترب من واقع هو إلى السراب أقرب ؟

المستوى الثاني ويتعلق بالجانب البنيوي، حيث أراد فيه الباحث قياس مقولات الخطاب المدني بأصول الوحي ، وفي هذا المستوى نركز النقد في الإجابة على هذه الأسئلة : 1- هل ما يسميه الباحث “أصول الوحي” هي أصول للوحي فعلا؟2- وعلى فرض ذلك هل عملية “المقايسة” كانت منصفة ؟

والآن ننتقل للمستوى الأول …

اترك تعليقاً