المثقف المتفرد

“أحب أفلاطون ، لكن أحب الحقّ أكثر”

أرسطو
أصعب أنواع النقد، أن يكون الناقد مُعجب بمنقوده. ولكن العزاء من تكبد هذه الصعوبة : تحوّل هذا الاعجاب إلى محرّض لتحري العدل والموضوعية في النقد.يكاد ابراهيم السكران – المحامي المتخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود والحائز على درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء- مثال “المثقف المتفرد” من حيث مسيرته الثقافية القصيرة نسبيا.
ويكاد ، كذلك ، يكون أقدم ظهور علني للسكران في توقيعه لبيان العلماء المسلمين المبين لخطر التهديدات الامريكية للعراق في أواخر العام 2002م.(1) والتوقيع مع مجموعة كبيرة من العلماء – حوالي 209 – لا يبين لنا طبيعة التوجه الفكري لابراهيم السكران ، وإنما فقط يعطينا مؤشر لطبيعة الانتماء المتمركز حول قضايا المسلمين بابعادها العالمية.
بعدها بعام واحد ، في أواخر العام 2003، كان أول ظهور “فكري مستقل” له عبر الورقة التي قدمها مع المحامي عبد العزيز القاسم – الذي كان معاونا له في البحث – في الحوار الوطني الثاني المقام في مكة المكرمة بعنوان “المقررات الدراسية الدينية … أين الخلل؟”. في هذه الورقة ، قام السكران بعملية مسح لمناهج العلوم الشرعية في المرحلة المتوسطة والثانوية لمناهج البنين. وبناء على عملية المسح هذه قسّم الورقة إلى سبعة أقسام(2) : قسم يتناول الرؤية والمنهج المستخدم في تقويم المقررات، والقسم الثاني يبحث في ما تقوله المقررات عن الموقف من المخالف وتارجحه ما بين العدل والتعبئة ، أما القسم الثالث فيبحث في الموقف من الواقع الذي تقرره هذه المناهج، ويدور القسم الرابع حول الموقف من التدين ، ويتركز القسم الخامس منها حول الحضارة وموقف المقررات منها ، ويحتل المنهج العلمي القسم السادس لتاتي الخاتمة والتوصيات في القسم السابع. وكانت التوصية الرئيسية هي ” إعادة نظر جذرية في طريقة اعداد المقررات”(3).
هذه الورقة احدثت ثلاث ردات فعل متباينة ، فالتيار السلفي رفض محتوى الورقة وتوصياتها كما يتبين من ردود بعض المشايخ – كالشيخ اليحيى والشيخ الغصن وغيرهم- وتم خلع مسميات “العصراني” و”العقلاني” على السكران. بالمقابل قامت التيارات التحديثية بتبني هذه الورقات واستخدامها كوثيقة ادانة ضد التيارات الاسلامية كما يتجلى في سلسلة المقالات التي كتبت من قبل مشاري الذايدي وغيره. ومن خارج المملكة ، وفي أمريكا تحديدا ، نشرت دراسة قام بها أمريكي تتمحور حول المناهج الدينية وأثرها في تكوين الإرهاب اعتمدت كثيرا على ورقة السكران والقاسم.
بعد هذه الورقة، وفي يوم 28 اكتوبر من 2004، كتب مشاري الذايدي تحقيقا صحفيا في جريدة الشرق الاوسط عن الشيخ “محمد سرور” و “السرورية”(4). وكان من ضمن مصادر هذا التحقيق الصحفي : ابراهيم السكران باعتباره صاحب تجربة خاصة مع السرورية ، وباعتباره باحثا سعوديا ، وقد تحدث عن “الفكر السروري” باعتباره فكرا مهيمنا على مجمل الخطاب الديني السعودي.
يأتي العام 2005 ، وفي غمرة انهماك المجتمع السعودي في الأسهم وتداولها، يخرج علينا ابراهيم السكران بكتاب معنون بـ “الاسهم المختلطة” منشور من قبل “وهج الحياة للإعلام” التي يديرها نواف القديمي. في هذا البحث يشن السكران هجوما على الكليات الشرعية (5) وضعف برامجها التعليمية مما يؤثر على مخرجاتها ، وطالب بعزل “فقه المعاملات المالية” عن شجرة الفقه، كما استقلت الفرايض وغيرها من الفروع، وذلك بسبب التطور الهائل والمعقد لواقع المعاملات المالية والاقتصادية. وبعد المقدمة ، انتقل في الفصل الأول لنقد نظرية “الأسهم النقيّة” موجها نقدا جذريا لآلية الحكم بالنقاء وموضوعه ، معتبرا ان اعتماد التقرير الربع السنوي المُعلن من قبل الشركات لا يكفي للحكم على الشركة بالنقاء ، وبالتالي خلص إلى أنه لا توجد شركة “نقية” وأن كافة الشركات مختلطة. وفي الفصل الثاني يفصل في حكم الأسهم المختلطة ، ثم يليه خاتمة تلخص أهم النقاط.
وردا على مقالة لفارس بن حزام في جريدة الرياض ربط بين “المخيمات الصيفية والطلابية” ونشوء العنف والارهاب، كتب ابراهيم السكران ردا عليه نشرته جريدة الرياض في الـ 20 من مارس 2006 عنونه بـ ” النشاط الطلابي أحد خصوم العنف لا مصدره”. وفي نفس السنة في 21 من ابريل 2006 استضافته قناة الإخبارية في احد برامجها دار فيه الحديث حول الإصلاح ، وفيه وجه السكران نقدا حادا للغلو والتطرف التي تكتسيهما منتديات الساحات، مما أثار رواد هذه المنتديات لتسارع بالرد عليه.
ومع صيف 2007 طالعنا ببحثه “مآلات الخطاب المدني” وهو البحث محلّ النقد ، الذي قلب كثيرا من الموازين . فقامت المواقع السلفية التي كانت تحرض عليه وتتهمه بالعصرانية ، بتبني البحث، فتجده موجودا في “صيد الفوائد ” و “ليبرالي” و “ملتقى اهل الحديث” بل إن الساحات احتفى بالسكران وكاد ان يخلع عليه لقب “ابن تيمية الجديد”، وفتح عبد العزيز بن قاسم مقالة للاحتفاء بهذا البحث. وأما الردود فقد جاءت من القريبين جدا، من رفيق دربه “نواف القديمي” الذي ردّ عليه ببحث بعنوان “حكاية المدنية الموبوءة”، فقام السكران بالتعقيب عليه في مجلة العصر. وبعدها ، أصدر السكران تعقيبه الآخر المعنون بـ “إشكالات مثارة”، لتوضيح بعض الإشكالات التي اثيرت حول “المآلات”.
هذا العرض ، الذي لا نجزم بأنه شامل، يبرز امامنا ثلاث خصائص أساسية تعتبر القواسم المشتركة لكل خطاب السكران: الخاصية الأولى : الاستقلالية ، وأبسط طريقة لمعرفة استقلالية المثقف في هذه الأصقاع هو في التأكد من اتهام كافة الأطياف له بانه من الأطياف الأخرى. الخاصية الثانية : العلميّة ، فطرح السكران طرح ممنهج ينطلق من اسس علمية واضحة تسعى بشكل أساسي إلى الوصول لإدراك مقارب للحقيقة عبر استفراغ الوسع وبذل المجهود دون الإنشغال بهموم تأكيدية لخلفيات فكرية مسبقة. الخاصية الثالثة : الضرب على الوتر الحساس ، ففي التعريف الفرنسي للمثقف نجد أنه “المعبر عن ضمير الأمة”، بمعنى انه ذاك الشخص الذي يسعى لإيجاد حلول عملية واقعية للمشاكل الآنية التي تواجه مجتمعه بكل امانة ومصداقية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش:

اترك تعليقاً